Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 114-114)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : أما الكلام في { ٱللَّهُمَّ } فقد تقدم بالاستقصاء في سورة آل عمران في قوله { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } [ آل عمران : 26 ] فقوله : { ٱللَّهُمَّ } نداء ، وقوله { رَبَّنَا } نداء ثان وأما قوله { تَكُونُ لَنَا } صفة للمائدة وليس بجواب للأمر ، وفي قراءة عبد الله { تَكُنْ } لأنه جعله جواب الأمر . قال الفراء : وما كان من نكرة قد وقع عليها أمر جاز في الفعل بعده الجزم والرفع ، ومثاله قوله تعالى : { فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِى } [ مريم : 5 6 ] بالجزم والرفع { فَأَرْسِلْهِ مَعِىَ رِدْءاً يُصَدّقُنِى } [ القصص : 34 ] بالجزم والرفع ، وأما قوله { عِيداً لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا } أي نتخذ اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيداً نعظمه نحن ومن يأتي بعدنا ، ونزلت يوم الأحد فاتخذه النصارى عيداً ، والعيد في اللغة اسم لما عاد إليك في وقت معلوم ، واشتقاقه من عاد يعود فأصله هو العود ، فسمي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح جديد ، وقوله { وآية منك } أي دلالة على توحيدك وصحة نبوة رسولك { وَٱرْزُقْنَا } أي وارزقنا طعاماً نأكله وأنت خير الرازقين . المسألة الثانية : تأمل في هذا الترتيب فإن الحواريين لما سألوا المائدة ذكروا في طلبها أغراضاً ، فقدموا ذكر الأكل فقالوا { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } [ المائدة : 113 ] وأخروا الأغراض الدينية الروحانية ، فأما عيسى فإنه لما طلب المائدة وذكر أغراضه فيها قدم الأغراض الدينية وأخر غرض الأكل حيث قال { وَٱرْزُقْنَا } وعند هذا يلوح لك مراتب درجات الأرواح في كون بعضها روحانية وبعضها جسمانية ، ثم إن عيسى عليه السلام لشدة صفاء دينه وإشراق روحه لما ذكر الرزق بقوله { وَٱرْزُقْنَا } لم يقف عليه بل انتقل من الرزق إلى الرازق فقال { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } فقوله { رَبَّنَا } ابتداء منه بذكر الحق سبحانه وتعالى ، وقوله { أُنزِلَ عَلَيْنَا } انتقال من الذات إلى الصفات ، وقوله { تَكُونُ لَنَا عِيداً لاِوَّلِنَا وآخرنا } إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة ، بل من حيث إنها صادرة عن المنعم وقوله { وآية منك } إشارة إلى كون هذه المائدة دليلاً لأصحاب النظر والاستدلال وقوله { وَٱرْزُقْنَا } إشارة إلى حصة النفس وكل ذلك نزول من حضرة الجلال . فانظر كيف ابتدأ بالأشرف فالأشرف نازلاً إلى الأدون فالأدون . ثم قال : { وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق ومن غير الله إلى الله ومن الأخس إلى الأشرف ، وعند ذلك تلوح لك شمة من كيفية عروج الأرواح المشرقة النورانية الإلهية ونزولها اللهم اجعلنا من أهله . المسألة الثالثة : في قراءة زيد { يَكُونُ لَنَا عِيداً لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا } والتأنيث بمعنى الآية .