Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 118-118)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : معنى الآية ظاهر ، وفيه سؤال : وهو أنه كيف جاز لعيسى عليه السلام أن يقول { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ } والله لا يغفر الشرك . والجواب عنه من وجوه : الأول : أنه تعالى لما قال لعيسى عليه السلام : { أأنت قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] علم أن قوماً من النصارى حكوا هذا الكلام عنه ، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافراً بل يكون مذنباً حيث كذب في هذه الحكاية وغفران الذنب جائز ، فلهذا المعنى : طلب المغفرة من الله تعالى ، والثاني : أنه يجوز على مذهبنا من الله تعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل الزُّهّاد والعُبّاد النار ، لأن الملك ملكه ولا اعتراض لأحد عليه ، فذكر عيسى هذا الكلام ومقصوده منه تفويض الأمور كلها إلى الله ، وترك التعرض والاعتراض بالكلية ، ولذلك ختم الكلام بقوله { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } يعني أنت قادر على ما تريد ، حكيم في كل ما تفعل لا اعتراض لأحد عليك ، فمن أنا والخوض في أحوال الربوبية ، وقوله إن الله لا يغفر الشرك فنقول : غفرانه جائز عندنا ، وعند جمهور البصريين من المعتزلة قالوا : لأن العقاب حق الله على المذنب وفي إسقاطه منفعة للمذنب ، وليس في إسقاطه على الله مضرة ، فوجب أن يكون حسناً بل دلّ الدليل السمعي في شرعنا على أنه لا يقع ، فلعل هذا الدليل السمعي ما كان موجوداً في شرع عيسى عليه السلام . الوجه الثالث : في الجواب أن القوم قالوا هذا الكفر فعيسى عليه السلام جوّز أن يكون بعضهم قد تاب عنه ، فقال : { إن تعذبهم } علمت أن أولئك المعذبين ماتوا على الكفر فلك أن تعذبهم بسبب أنهم عبادك ، وأنت قد حكمت على كل من كفر من عبادك بالعقوبة ، وإن تغفر لهم علمت أنهم تابوا عن الكفر ، وأنت حكمت على من تاب عن الكفر بالمغفرة . الوجه الرابع : أنا ذكرنا أن من الناس من قال : إن قول الله تعالى لعيسى { أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 116 ] إنما كان عند رفعه إلى السماء لا في يوم القيامة ، وعلى هذا القول فالجواب سهل لأن قوله { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } يعني إن توفيتهم على هذا الكفر وعذبتهم فإنهم عبادك فلك ذاك ، وان أخرجتهم بتوفيقك من ظلمة الكفر إلى نور الايمان ، وغفرت لهم ما سلف منهم فلك أيضاً ذاك ، وعلى هذا التقدير فلا إشكال . المسألة الثانية : احتج بعض الأصحاب بهذه الآية على شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في حق الفساق قالوا : لأن قول عيسى عليه السلام { إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } ليس في حق أهل الثواب لأن التعذيب لا يليق بهم ، وليس أيضاً في حق الكفار لأن قوله { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } لا يليق بهم فدل على أن ذلك ليس إلا في حق الفساق من أهل الايمان ، وإذا ثبت شفاعة الفساق في حق عيسى عليه السلام ثبت في حق محمد صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى لأنه لا قائل بالفصل . المسألة الثالثة : روى الواحدي رحمه الله أن في مصحف عبد الله [ وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم سمعت شيخي ووالدي رحمه الله يقول { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } هٰهنا أولى من الغفور الرحيم ، لأن كونه غفوراً رحيماً يشبه الحالة الموجبة للمغفرة والرحمة لكل محتاج ، وأما العزة والحكمة فهما لا يوجبان المغفرة ، فإن كونه عزيزاً يقتضي أنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأنه لا اعتراض عليه لأحد فإذا كان عزيزاً متعالياً عن جميع جهات الاستحقاق ، ثم حكم بالمغفرة كان الكرم هٰهنا أتم مما إذا كان كونه غفوراً رحيماً يوجب المغفرة والرحمة ، فكانت عبارته رحمه الله أن يقول : عز عن الكل . ثم حكم بالرحمة فكان هذا أكمل . وقال قوم آخرون : إنه لو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، أشعر ذلك بكونه شفيعاً لهم ، فلما قال : { فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى ، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه .