Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 32-32)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله : { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } أي بسبب فعلته . فإن قيل عليه سؤالان : الأول : أن قوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } أي من أجل ما مرّ من قصة قابيل وهابيل كتبنا على بني إسرائيل القصاص ، وذاك مشكل فإنه لا مناسبة بين واقعة قابيل وهابيل وبين وجوب القصاص على بني إسرائيل . الثاني : أن وجوب القصاص حكم ثابت في جميع الأمم فما فائدة تخصيصه ببني إسرائيل ؟ والجواب عن الأول من وجهين : أحدهما : قال الحسن : هذا القتل إنما وقع في بني إسرائيل لا بين ولدي آدم من صلبه ، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم ، والثاني : أنا نسلم أن هذا القتل وقع بين ولدي آدم من صلبه ، ولكن قوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } ليس إشارة إلى قصة قابيل وهابيل ، بل هو إشارة إلى ما مر ذكره في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل الحرام ، منها قوله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } [ المائدة : 30 ] ومنها قوله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } [ المائدة : 31 ] فقوله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } إشارة إلى أنه حصلت له خسارة الدين والدنيا ، وقوله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } إشارة إلى أنه حصل من قلبه أنواع الندم والحسرة والحزن مع أنه لا دفع له ألبتة ، فقوله : { مِنْ أَجل ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي من أجل ذلك الذي ذكرنا في أثناء القصة من أنواع المفاسد المتولدة من القتل العمد العدوان شرعنا القصاص من حق القاتل ، وهذا جواب حسن والله أعلم . وأما السؤال الثاني : فالجواب عنه أن وجوب القصاص في حق القاتل وإن كان عاماً في جميع الأديان والملل ، إلا أن التشديد المذكور ههنا في حق بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان لأنه تعالى حكم ههنا بأن قتل النفس الواحدة جار مجرى قتل جميع الناس ، ولا شك في أن المقصود منه المبالغة في شرح عقاب القتل العمد العدوان ، والمقصود من شرح هذه المبالغة أن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء والرسل . وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى ، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام في الواقعة التي ذكرنا أنهم عزموا على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأكابر أصحابه ، كان تخصيص بني إسرائيل في هذه القصة بهذه المبالغة العظيمة مناسباً للكلام ومؤكداً للمقصود . المسألة الثانية : قرىء « من أجل ذلك » بحذف الهمزة وفتح النوق لالقاء حركتها عليها وقرأ أبو جعفر « من أجل ذلك » بكسر الهمزة ، وهي لغة ، فإذا خفف كسر النون ملقياً لكسر الهمزة عليها . المسألة الثالثة : قال القائلون بالقياس : دلت الآية على أن أحكام الله تعالى قد تكون معللة بالعلل ، وذلك لأنه تعالى قال : { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } كذا وكذا ، وهذا تصريح بأن كتبة تلك الأحكام معللة بتلك المعاني المشار إليها بقوله { مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } والمعتزلة أيضاً قالوا : دلت هذه الآية على أن أحكام الله تعالى معللة بمصالح العباد ، ومتى ثبت ذلك امتنع كونه تعالى خالقاً للكفر والقبائح فيهم مريداً وقوعها منهم ، لأن خلق القبائح وإرادتها تمنع من كونه تعالى مراعياً للمصالح . وذلك يبطل التعليل المذكور في هذه الآية . قال أصحابنا : القول بتعليل أحكام الله تعالى محال لوجوه : أحدها : أن العلة إن كانت قديمة لزم قدم المعلول ، وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلة أخرى ولزم التسلسل ، وثانيها : لو كان معللاً بعلة فوجود تلك العلة وعدمها بالنسبة إلى الله تعالى إن كان على السوية امتنع كونه علة ، وإن لم يكن على السوية فأحدهما به أولى ، وذلك يقتضي كونه مستفيداً تلك الأولوية من ذلك الفعل ، فيكون ناقصاً لذاته مستكملاً بغيره وهو محال . وثالثها : أنه قد ثبت توقف الفعل على الوداعي ، ويمتنع وقوع التسلسل في الدواعي ، بل يجب انتهاؤها إلى الداعية الأولى التي حدثت في العبد لا من العبد بل من الله ، وثبت أن عند حدوث الداعية يجب الفعل ، وعلى هذا التقدير فالكل من الله ، وهذا يمنع من تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه ، فثبت أن ظاهر هذه الآية من المتشابهات لا من المحاكمات ، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِى ٱلاْرْضِ جَمِيعاً } [ المائدة : 17 ] وذلك نص صريح في أنه يحسن من الله كل شيء ولا يتوقف خلقه وحكمه على رعاية المصالح . المسألة الرابعة : قوله { أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ } قال الزجاج : إنه معطوف على قوله { نَفْسٌ } والتقدير من قتل نفساً بغير نفس أو بغير فساد في الأرض ، وإنما قال تعالى ذلك لأن القتل يحل لأسباب كثيرة ، منها القصاص وهو المراد بقوله { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ } ومنها الكفر مع الحراب ، ومنها الكفر بعد الإيمان ، ومنها قطع الطريق وهو المراد بقوله تعالى بعد هذه الآية { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ المائدة : 33 ] فجمع تعالى كل هذه الوجوه في قوله { أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ } . المسألة الخامسة : قوله فكأنما قتل الناس جميعاً وفيه إشكال . وهو أن قتل النفس الواحدة كيف يكون مساوياً لقتل جميع الناس ، فإن من الممتنع أن يكون الجزء مساوياً للكل ، وذكر المفسرون بسبب هذا السؤال وجوهاً من الجواب وهي بأسرها مبنية على مقدمة واحدة وهي أن تشبيه أحد الشيئين بالآخر لا يقتضي الحكم بمشابهتهما من كل الوجوه ، لأن قولنا : هذا يشبه ذاك أعم من قولنا : إنه يشبهه من كل الوجوه ، أو من بعض الوجوه ، وإذا ظهرت صحة هذه المقدمة فنقول : الجواب من وجوه : الأول : المقصود من تشبيه قتل النفس الواحدة بقتل النفوس المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه ، يعني كما أن قتل كل الخلق أمر مستعظم عند كل أحد ، فكذلك يجب أن يكون قتل الإنسان الواحد مستعظماً مهيباً فالمقصود مشاركتهما في الاستعظام ، لا بيان مشاركتهما في مقدار الاستعظام ، وكيف لا يكون مستعظماً وقد قال تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً } [ النساء : 93 ] . الوجه الثاني في الجواب : هو أن جميع الناس لو علموا من إنسان واحد أنه يقصد قتلهم بأجمعهم فلا شك أنهم يدفعونه دفعاً لا يمكنه تحصيل مقصوده ، فكذلك إذا علموا منه أنه يقصد قتل إنسان واحد معين يجب أن يكون جدهم واجتهادهم في منعه عن قتل ذلك الإنسان مثل جدهم واجتهادهم في الصورة الأولى . الوجه الثالث في الجواب : وهو أنه لما أقدم على القتل العمد العدوان فقد رجّح داعية الشهوة والغضب على داعية الطاعة ، ومتى كان الأمر كذلك كان هذا الترجيح حاصلاً بالنسبة إلى كل واحد ، فكان في قلبه أن كل أحد نازعه في شيء من مطالبه فإنه لو قدر عليه لقتله ، ونيّة المؤمن في الخيرات خير من عمله ، فكذلك نيّة المؤمن في الشرور شر من عمله ، فيصير المعنى : ومن يقتل إنساناً قتلاً عمداً عدواناً فكأنما قتل جميع الناس ، وهذه الأجوبة الثلاثة حسنة . المسألة السادسة : قوله { وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } المراد من إحياء النفس تخليصها عن المهلكات : مثل الحرق والغرق والجوع المفرط والبرد والحر المفرطين ، والكلام في أن إحياء النفس الواحدة مثل إحياء النفوس على قياس ما قررناه في أن قتل النفس الواحدة مثل قتل النفوس . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِى ٱلاْرْضِ لَمُسْرِفُونَ } . والمعنى أن كثيراً من اليهود بعد ذلك ، أي بعد مجيء الرسل ، وبعد ما كتبنا عليهم تحريم القتل لمسرفون ، يعني في القتل لا يبالون بعظمته .