Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 45-45)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص . والمعنى أنه تعالى بيّن في التوراة أن حكم الزاني المحصن هو الرجم ، واليهود غيروه وبدلوه ، وبيّن في هذه الآية أيضاً أنه تعالى بيّن في التوراة أن النفس بالنفس ، وهؤلاء اليهود غيروا هذا الحكم أيضاً ، ففضلوا بني النضير على بني قريظة ، وخصصوا إيجاب القود ببني قريظة دون بني النضير ، فهذا هو وجه النظم من الآية ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ الكسائي : العين والأنف والأذن والسن والجروح كلها بالرفع ، وفيه وجوه : أحدها : العطف على محل { أن النفس } لأن المعنى : وكتبنا عليهم فيها النفس بالنفس لأن معنى كتبنا قلنا ، وثانيها : أن الكتابة تقع على مثل هذه الجمل تقول : كتبت الحمد لله وقرأت سورة أنزلناها وثالثها : أنها ترتفع على الاستئناف ، وتقديره : أن النفس مقتولة بالنفس والعين مفقوءة بالعين ، ونظيره قوله تعالى في هذه السورة { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِئِينَ } [ البقرة : 62 ] وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بنصف الكل سوى { الجروح } فإنه بالرفع ، فالعين والأنف والأذن نصب عطفاً على النفس ، ثم { الجروح } مبتدأ ، و { قِصَاصٌ } خبره ، وقرأ نافع وعاصم وحمزة كلها بالنصب عطفاً لبعض ذلك على بعض ، وخبر الجميع قصاص ، وقرأ نافع { الأذن } بسكون الذال حيث وقع ، والباقون بالضم مثقلة ، وهما لغتان . المسألة الثانية : قال ابن عباس : يريد وفرضنا عليهم في التوراة أن النفس بالنفس ، يريد من قتل نفساً بغير قود قيد منه ، ولم يجعل الله له دية في نفس ولا جرح ، إنما هو العفو أو القصاص . وعن ابن عباس : كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة فنزلت هذه الآية ، وأما الأطراف فكل شخصين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما في جميع الأطراف إذا تماثلا في السلامة ، وإذا امتنع القصاص في النفس امتنع أيضاً في الأطراف ، ولما ذكر الله تعالى بعض الأعضاء عمم الحكم في كلها فقال { وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وهو كل ما يمكن أن يقتص منه ، مثل الشفتين والذكر والأنثيين والأنف والقدمين واليدين وغيرها ، فأما ما لا يمكن القصاص فيه من رض في لحم ، أو كسر في عظم ، أو جراحة في بطن يخاف منه التلف ففيه أرش وحكومة . واعلم أن هذه الآية دالة على أن هذا كان شرعاً في التوراة ، فمن قال : شرع من قبلنا يلزمنا إلا ما نسخ بالتفصيل قال : هذه الآية حجة في شرعنا ، ومن أنكر ذلك قال : إنها ليست بحجة علينا . المسألة الثالثة : { قِصَاصٌ } هٰهنا مصدر يراد به المفعول ، أي والجروح متقاصة بعضها ببعض . ثم قال تعالى : { فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } الضمير في قوله { لَهُ } يحتمل أن يكون عائداً إلى العافي أو إلى المعفو عنه ، أما الأول فالتقدير أن المجروح أو ولي المقتول إذا عفا كان ذلك كفارة له ، أي للعافي ويتأكد هذا بقوله تعالى في آية القصاص 3 في سورة البقرة { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ البقرة : 237 ] ويقرب منه قوله صلى الله عليه وسلم : " " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته تصدق بعرضه على الناس " " وروى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " " من تصدق من جسده بشيء كفر الله تعالى عنه بقدره من ذنوبه " " وهذا قول أكثر المفسرين . والقول الثاني : أن الضمير في قوله { فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } عائد إلى القاتل والجارح ، يعني أن المجنى عليه إذا عفا عن الجاني صار ذلك العفو كفارة للجاني ، يعني لا يؤاخذه الله تعالى بعد ذلك العفو ، وأما المجنى عليه الذي عفا فأجره على الله تعالى . ثم قال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } وفيه سؤال ، وهو أنه تعالى قال أولاً : { فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ } [ المائدة : 44 ] وثانياً : { هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } والكفر أعظم من الظلم ، فلما ذكر أعظم التهديدات أولاً ، فأي فائدة في ذكر الأخف بعده ؟ وجوابه : أن الكفر من حيث أنه إنكار لنعمة المولى وجحود لها فهو كفر ، ومن حيث إنه يقتضي إبقاء النفس في العقاب الدائم الشديد فهو ظلم على النفس ، ففي الآية الأولى ذكر الله ما يتعلق بتقصيره في حق الخالق سبحانه ، وفي هذه الآية ذكر ما يتعلق بالتقصير في حق نفسه .