Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 49-49)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ يَتَّبِعُ أَهْوَاءهُمْ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : فإن قيل : قوله : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ } معطوف على ماذا ؟ قلنا : على { ٱلْكِتَـٰبِ } في قوله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ } [ المائدة : 48 ] كأنه قيل : وأنزلنا إليك أن أحكم و { أن } وصلت بالأمر لأنه فعل كسائر الأفعال ، ويجوز أن يكون معطوفاً على قوله { بِٱلْحَقّ } [ المائدة : 48 ] أي أنزلناه بالحق وبأن أحكم ، وقوله : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } قد ذكرنا أن اليهود اجتمعوا وأرادوا إيقاعه في تحريف دينه فعصمه الله تعالى عن ذلك . المسألة الثانية : قالوا : هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله { فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ المائدة : 42 ] . المسألة الثالثة : أعيد ذكر الأمر بالحكم بعد ذكره في الآية الأولى إما للتأكيد ، وإما لأنهما حكمان أمر بهما جميعاً ، لأنهم احتكموا إليه في زنا المحصن ، ثم احتكموا في قتيل كان فيهم . ثم قال تعالى : { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } . قال ابن عباس : يريد به يردوك إلى أهوائهم ، فإن كل من صرف من الحق إلى الباطل فقد فتن ، ومنه قوله { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } [ الإسراء : 73 ] والفتنة ههنا في كلامهم التي تميل عن الحق وتلقى في الباطل وكان صلى الله عليه وسلم يقول : " " أعوذ بك من فتنة المحيا " " قال هو أن يعدل عن الطريق . قال أهل العلم : هذه الآية تدل على أن الخطأ والنسيان جائزان على الرسول ، لأن الله تعالى قال : { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } والتعمد في مثل هذا غير جائز على الرسول ، فلم يبق إلا الخطأ والنسيان . ثم قال تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي فإن لم يقبلوا حكمك { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : المراد يبتليهم بجزاء بعض ذنوبهم في الدنيا ، وهو أن يسلطك عليهم ، ويعذبهم في الدنيا بالقتل والجلاء ، وإنما خصّ الله تعالى بعض الذنوب لأن القوم جوزوا في الدنيا ببعض ذنوبهم ، وكان مجازاتهم بالبعض كافياً في إهلاكهم والتدمير عليهم ، والله أعلم . المسألة الثانية : دلت الآية على أن الكل بإرادة الله تعالى ، لأنه لا يريد أن يصيبهم ببعض ذنوبهم إلا وقد أراد ذنوبهم ، وذلك يدل على أنه تعالى مريد للخير والشر . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ ٱلنَّاسِ لَفَـٰسِقُونَ } لمتمردون في الكفر معتدون فيه ، يعني أن التولي عن حكم الله تعالى من التمرد العظيم ولاعتداء في الكفر .