Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 60-60)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : قوله { مّن ذٰلِكَ } إشارة إلى المنقم ، ولا بدّ من حذف المضاف ، وتقديره : بشر من أهل ذلك لأنه قال : { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } ولا يقال الملعون شر من ذلك الدين ، بل يقال : إنه شر ممن له ذلك الدين . فإن قيل : فهذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكوماً عليهم بالشر ، ومعلوم أنه ليس كذلك . قلنا : إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم ، فإنهم حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر ، فقيل لهم : هب أن الأمر كذلك ولكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك . المسألة الثانية : { مَثُوبَةً } نصب على التمييز ، ووزنها مفعلة كقولك : مقولة ومجوزة ، وهو بمعنى المصدر ، وقد جاءت مصادر على مفعول كالمعقول والميسور . فإن قيل : المثوبة مختصة بالإحسان ، فكيف جاءت في الإساءة ؟ قلنا : هذا على طريقة قوله { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ آل عمران : 21 ] وقول الشاعر : تحية بينهم ضرب وجيع المسألة الثالثة : { مِنْ } في قوله { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } يحتمل وجهين : الأول : أنه في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، فإنه لما قال : { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذٰلِكَ } فكأن قائلاً قال : من ذلك ؟ فقيل : هو من لعنه الله ، ونظيره قوله تعالى : { قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } [ الحج : 72 ] كأنه قال : هو النار . الثاني : يجوز أن يكون في موضع خفض بدلاً من شر والمعنى أنبئكم بمن لعنه الله . المسألة الرابعة : اعلم أنه تعالى ذكر من صفاتهم أنواعاً : أولها : أنه تعالى لعنهم ، وثانيها : أنه غضب عليهم ، وثالثها : أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت . قال أهل التفسير : عنى بالقردة أصحاب السبت ، وبالخنازير كفار مائدة عيسى . وروي أيضاً أن المسخين كانا في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة ، ومشايخهم مسخوا خنازير . المسألة الخامسة : ذكر صاحب « الكشاف » في قوله { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } أنواعاً من القرآات : أحدها : قرأ أُبي : وعبدوا الطاغوت ، وثانيها : قرأ ابن مسعود : ومن عبدوا ، وثالثها : وعابد الطاغوت عطفاً على القردة ، ورابعها : وعابدي ، وخامسها : وعباد ، وسادسها : وعبد ، وسابعها : وعبد ، بوزن حطم ، وثامنها : وعبيد ، وتاسعها : وعبد بضمتين جميع عبيد ، وعاشرها : وعبدة بوزن كفرة ، والحادي عشر : وعبد ، وأصله عبدة ، فحذفت التاء للإضافة ، أو هو كخدم في جمع خادم ، والثاني عشر : عبد ، والثالث عشر : عباد ، والرابع عشر : وأعبد ، والخامس عشر : وعبد الطاغوت على البناء للمفعول ، وحذف الراجع ، بمعنى وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم ، والسادس عشر : وعبد الطاغوت ، بمعنى صار الطاغوت معبوداً من دون الله تعالى ، كقولك : أمر إذا صار أميراً ، والسابع عشر : قرأ حمزة : عبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء ونصب الدال وجر الطاغوت ، وعابوا هذه القراءة على حمزة ولحنوه ونسبوه إلى ما لا يجوز ذكره ، وقال قوم : إنها ليست بلحن ولا خطأ ، وذكروا فيها وجوهاً : الأول : أن العبد هو العبد إلا أنهم ضموا الباء للمبالغة ، كقولهم : رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة ، فتأويل عبد الطاغوت أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان ، وهذا أحسن الوجوه . الثاني : أن العبد ، والعبد لغتان كقولهم : سبع وسبع . والثالث : أن العبد جمعه عباد ، والعباد جمعه عبد ، كثمار وثمر . ثم استثلقوا ضمتين متواليتين فأبدلت الأولى بالفتحة . الرابع : يحتمل أنه أراد أعبد الطاغوت ، فيكون مثل فلس وأفلس ، ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى العين . الخامس : يحتمل أنه أراد : وعبدة الطاغوت كما قريء ، ثم حذف الهاء وضم الباء لئلا يشتبه بالفعل . المسألة السادسة : قوله { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } قال الفرّاء : تأويله وجعل منهم القردة ومن عبد الطاغوت ، فعلى هذا : الموصول محذوف . المسألة السابعة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله . قالوا : لأن تقدير الآية وجعل الله منهم من عبد الطاغوت ، وإنما يعقل معنى هذا الجعل إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة ، إذ لو كان جعل تلك العبادة منهم لكان الله تعالى ما جعلهم عبدة الطاغوت ، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك ، وذلك على خلاف الآية . قالت المعتزلة : معناه أنه تعالى حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [ الزخرف : 19 ] والكلام فيه قد تقدم مراراً . المسألة الثامنة : قيل : الطاغوت العجل ، وقيل : الطاغوت الأحبار ، وكل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده . ثم قال تعالى : { أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } أي أولئك الملعونون الممسوخون شر مكاناً من المؤمنين ، وفي لفظ المكان وجهان : الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما : لأن مكانهم سقر ، ولا مكان أشد شراً منه . والثاني : أنه أضيف الشر في اللفظ إلى المكان وهو في الحقيقة لأهله ، وهو من باب الكناية كقولهم : فلان طويل النجاد كثير الرماد ، ويرجع حاصله إلى الإشارة إلى الشيء بذكر لوازمه وتوابعه . ثم قال : { وَأَضَلُّ عَن سَوَاء ٱلسَّبِيلِ } أي عن قصد السبيل والدين الحق . قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا : يا إخوان القردة والخنازير ، فافتضحوا ونكسوا رؤوسهم .