Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 90-90)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا هو النوع الثالث من الأحكام المذكورة في هذا الموضع ، ووجه اتصاله بما قبله أنه تعالى قال فيما تقدم { لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } إلى قوله { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيّباً } [ المائدة : 87 ، 88 ] ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر لا جرم أنه تعالى بيّن أنهما غير داخلين في المحللات ، بل في المحرمات . واعلم أنا قد ذكرنا في سورة البقرة معنى الخمر والميسر وذكرنا معنى الأنصاب والأزلام في أول هذه السورة عند قوله { وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام } [ المائدة : 3 ] فمن أراد الاستقصاء فعليه بهذه المواضع . وفي اشتقاق لفظ الخمر وجهان : الأول : سميت الخمر خمراً لأنها خامرت العقل ، أي خالطته فسترته ، والثاني : قال ابن الأعرابي : تركت فاختمرت ، أي تغير ريحها ، والميسر هو قمارهم في الجزور ، والأنصاب هي آلهتهم التي نصبوها يعبدونها ، والأزلام سهام مكتوب عليها خير وشر . واعلم أنه تعالى وصف هذه الأقسام الأربعة بوصفين : الأول : قوله { رِجْسٌ } والرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل . يقال : رجس الرجل رجساً ورجس إذا عمل عملاً قبيحاً ، وأصله من الرجس بفتح الراء ، وهو شدة الصوت . يقال : سحاب رجاس إذا كان شديد الصوت بالرعد فكان الرجس هو العمل الذي يكون قوي الدرجة كامل الرتبة في القبح . الوصف الثاني : قوله { مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } وهذا أيضاً مكمل لكونه رجساً لأن الشيطان نجس خبيث لأنه كافر والكافر نجس لقوله { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] والخبيث لا يدعو إلا إلى الخبيث لقوله { ٱلْخَبِيثَـٰتُ لِلْخَبِيثِينَ } [ النور : 26 ] وأيضاً كل ما أضيف إلى الشيطان فالمراد من تلك الإضافة المبالغة في كمال قبحه . قال تعالى : { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } [ القصص : 15 ] ثم إنه تعالى لما وصف هذه الأربعة بهذين الوصفين قال { فَٱجْتَنِبُوهُ } أي كونوا جانباً منه ، والهاء عائدة إلى ماذا - فيه وجهان : الأول : أنها عائدة إلى الرجس ، والرجس واقع على الأربعة المذكورة ، فكان الأمر بالاجتناب متناولاً للكل . الثاني : أنها عائدة إلى المضاف المحذوف ، كأنه قيل : إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك ، ولذلك قال : رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱ .