Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ } وقبل التفسير نقول ما يتعلق بالسورة وهي أمور : الأول : أن هذه السورة تقرأ في صلاة العيد ، لقوله تعالى فيها { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [ ق : 42 ] وقوله تعالى : { كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ } [ ق : 11 ] وقوله تعالى : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ ق : 44 ] فإن العيد يوم الزينة ، فينبغي أن لا ينسى الإنسان خروجه إلى عرصات الحساب ، ولا يكون في ذلك اليوم فرحاً فخوراً ، ولا يرتكب فسقاً ولا فجوراً ، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتذكير بقوله في آخر السورة { فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] ذكرهم بما يناسب حالهم في يومهم بقوله { ق وَٱلْقُرْءانِ } . الثاني : هذه السورة ، وسورة { ص } تشتركان في افتتاح أولهما بالحروف المعجم والقسم بالقرآن وقوله { بَلِ } والتعجب ، ويشتركان في شيء آخر ، وهو أن أول السورتين وآخرهما متناسبان ، وذلك لأن في { ص } قال في أولها { ص وَٱلْقُرْءانِ ذِى الذِكْر } [ ص : 1 ] وقال في آخرها { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ } [ ص : 87 ] وفي { ق } قال في أولها { ق وَٱلْقُرْءانِ } وقال في آخرها { فَذَكّرْ بِٱلْقُرْءانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] فافتتح بما اختتم به . والثالث : وهو أن في تلك السورة صرف العناية إلى تقرير الأصل الأول وهو التوحيد ، بقوله تعالى : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً } [ ص : 5 ] وقوله تعالى : { أَنِ امشوا واصبروا على آلهتكم } [ ص : 6 ] وفي هذه السورة إلى تقرير الأصل الآخر وهو الحشر ، بقوله تعالى : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } [ ق : 3 ] ولما كان افتتاح السورة في { ص } في تقرير المبدأ ، قال في آخرها { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مّن طِينٍ } [ ص : 71 ] وختمه بحكاية بدء خلق آدم ، لأنه دليل الوحدانية . ولما كان افتتاح هذه لبيان الحشر ، قال في آخرها { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ ق : 44 ] وأما التفسير ، ففيه مسائل : المسألة الأولى : قيل { ق } اسم جبل محيط بالعالم ، وقيل معناه حكمة ، هي قولنا : قضى الأمر . وفي ص : صدق الله ، وقد ذكرنا أن الحروف تنبيهات قدمت على القرآن ، ليبقى السامع مقبلاً على استماع ما يرد عليه ، فلا يفوته شيء من الكلام الرائق والمعنى الفائق . وذكرنا أيضاً أن العبادة منها قلبية ، ومنها لسانية ، ومنها جارحية ظاهرة ، ووجد في الجارحية ما عقل معناه ، ووجد منها ما لم يعقل معناه ، كأعمال الحج من الرمي والسعي وغيرهما ، ووجد في القلبية ما عقل بدليل ، كعلم التوحيد ، وإمكان الحشر ، وصفات الله تعالى ، وصدق الرسل ، ووجد فيها ما يبعدها عن كونها معقولة المعنى أمور لا يمكن التصديق ، والجزم بما لولا السمع كالصراط الممدود الأحد من السيف الأرق من الشعر ، والميزان الذي يوزن به الأعمال ، فكذلك كان ينبغي أن تكون الأذكار التي هي العبادة اللسانية منها ما يعقل معناه كجميع القرآن إلا قليلاً منه ، ومنها ما لا يعقل ولا يفهم كحرف التهجي لكون التلفظ به محض الانقياد للأمر ، لا لما يكون في الكلام من طيب الحكاية والقصد إلى غرض ، كقولنا ربنا اغفر لنا وارحمنا بل يكون النطق به تعبداً محضاً ، ويؤيد هذا وجه آخر ، وهو أن هذه الحروف مقسم بها ، وذلك لأن الله تعالى لما أقسم بالتين والزيتون كان تشريفاً لهما ، فإذا أقسم بالحروف التي هي أصل الكلام الشريف الذي هو دليل المعرفة ، وآلة التعريف كان أولى ، وإذا عرفت هذا فنقول على هذا فيه مباحث : الأول : القسم من الله وقع بأمر واحد ، كما في قوله تعالى : { وَٱلْعَصْرِ } وقوله تعالى : { وَٱلنَّجْمِ } وبحرف واحد ، كما في قوله تعالى : { ص } و { ن } ووقع بأمرين ، كما في قوله تعالى : { وَٱلضُّحَىٰ وَٱلَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } وفي قوله تعالى : { وَٱلسَّمَاء وَٱلطَّارِقِ } وبحرفين ، كما في قوله تعالى : { طه } و { طس } و { يس } و { حـم } وبثلاثة أمور ، كما في قوله تعالى : { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ . … فَٱلزجِرٰتِ … فَٱلتَّـٰلِيَـٰتِ } وبثلاثة أحرف ، كما في { الم } وفي { طسم والر } وبأربعة أمور ، كما في { وَٱلذرِيَـٰتِ } وفي { وَٱلسَّمَاء ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } وفي { وَٱلتّينِ } وبأربعة أحرف ، كما في { المص المر } وبخمسة أمور ، كما في { وَٱلطُّورِ } وفي { وَٱلْمُرْسَلَـٰتِ } وفي { وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ } وفي { وَٱلْفَجْرِ } وبخمسة أحرف ، كما في { كهيعص وحمعسق } ولم يقسم بأكثر من خمسة أشياء إلا في سورة واحدة وهي { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا } ولم يقسم بأكثر من خمسة أصول ، لأنه يجمع كلمة الاستثقال ، ولما استثقل حين ركب لمعنى ، كان استثقالها حين ركب من غير إحاطة العلم بالمعنى أو لا لمعنى كان أشد . البحث الثاني : عند القسم بالأشياء المعهودة ، ذكر حرف القسم وهي الواو ، فقال : { وَٱلطُّورِ } { وَٱلنَّجْمِ } { وَٱلشَّمْسُ } وعند القسم بالحروف لم يذكر حرف القسم ، فلم يقل و { ق وحم } لأن القسم لما كان بنفس الحروف كان الحرف مقسماً به ، فلم يورده في موضع كونه آلة القسم تسوية بين الحروف . البحث الثالث : أقسم الله بالأشياء : كالتين والطور ، ولم يقسم بأصولها ، وهي الجواهر الفردة والماء والتراب . وأقسم بالحروف من غير تركيب ، لأن الأشياء عنده يركبها على أحسن حالها ، وأما الحروف إن ركبت بمعنى ، يقع الحلف بمعناه لا باللفظ ، كقولنا والسماء والأرض وإن ركبت لا بمعنى ، كان المفرد أشرف ، فأقسم بمفردات الحروف . البحث الرابع : أقسم بالحروف في أول ثمانية وعشرين سورة ، وبالأشياء التي عددها عدد الحروف ، وهي غير { وَٱلشَّمْسُ } في أربع عشرة سورة ، لأن القسم بالأمور غير الحروف وقع في أوائل السور وفي أثنائها ، كقوله تعالى : { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ * وَٱلَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } [ المدثر : 32 ، 33 ] وقوله تعالى : { وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ } [ الانشقاق : 17 ] وقوله { وَٱلَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } [ التكوير : 17 ] والقسم بالحروف لم يوجد ولم يحسن إلا في أوائل السور ، لأن ذكر ما لا يفهم معناه في أثناء الكلام المنظوم المفهوم يخل بالفهم ، ولما كان القسم بالأشياء له موضعان والقسم بالحروف له موضع واحد جعل القسم بالأشياء في أوائل السور على نصف القسم بالحروف في أوائلها . البحث الخامس : القسم بالحروف وقع في النصفين جميعاً بل في كل سبع وبالأشياء المعدودة لم يوجد إلا في النصف الأخير بل لم يوجد إلا في السبع الأخير غير والصافات ، وذلك لأنا بينا أن القسم بالحروف لم ينفك عن ذكر القرآن أو الكتاب أو التنزيل بعده إلا نادراً فقال تعالى : { يس * وَٱلْقُرْءانِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 1 ، 2 ] { حـم * تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ } [ غافر : 1 ، 2 ] { الم * ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ } [ البقرة : 1 ، 2 ] ولما كان جميع القرآن معجزة مؤداة بالحروف وجد ذلك عاماً في جميع المواضع ولا كذلك القسم بالأشياء المعدودة ، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في سورة العنكبوت ، ولنذكر ما يختص بقاف قيل إنه اسم جبل محيط بالأرض عليه أطراف السماء وهو ضعيف لوجوه : أحدها : أن القراءة الكثيرة الوقف ، ولو كان اسم جبل لما جاز الوقف في الإدراج ، لأن من قال ذلك قال بأن الله تعالى أقسم به وثانيها : أنه لو كان كذلك لذكر بحرف القسم كما في قوله تعالى : { وَٱلطُّورِ } وذلك لأن حرف القسم يحذف حيث يكون المقسم به مستحقاً لأن يقسم به ، كقولنا الله لأفعلن كذا ، واستحقاقه لهذا غني عن الدلالة عليه باللفظ ولا يحسن أن يقال زيد لأفعلن ثالثها : هو أنه لو كان كما ذكر لكان يكتب قاف مع الألف والفاء كما يكتب { عَيْنٌ جَارِيَةٌ } [ الغاشية : 12 ] ويكتب { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [ الزمر : 36 ] وفي جميع المصاحف يكتب حرف { ق } ، رابعها : هو أن الظاهر أن الأمر فيه كالأمر في { ص ، ن ، حـم } وهي حروف لا كلمات وكذلك في { ق } فإن قيل هو منقول عن ابن عباس ، نقول المنقول عنه أن قاف اسم جبل ، وأما أن المراد في هذا الموضع به ذلك فلا ، وقيل إن معناه قضى الأمر ، وفي { ص } صدق الله ، وقيل هو اسم الفاعل من قفا يقفو و ص من صاد من المصاداة ، وهي المعارضة ، معناه هذا قاف جميع الأشياء بالكشف ، ومعناه حينئذ هو قوله تعالى : { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] إذا قلنا إن الكتاب هناك القرآن . هذا ما قيل في { ق } وأما القراءة فيه فكثيرة وحصرها بيان معناها ، فنقول إن قلنا هي مبنية على ما بينا فحقها الوقف إذ لا عامل فيها فيشبه بناء الأصوات ويجوز الكسر حذراً من التقاء الساكنين ، ويجوز الفتح اختياراً للأخف ، فإن قيل كيف جاز اختيار الفتح ههنا ، ولم يجز عند التقاء الساكنين إذا كان أحدهما آخر كلمة والآخر أول أخرى كما في قوله تعالى : { لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ البينة : 1 ] { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ } [ الأنعام : 52 ] ؟ نقول لأن هناك إنما وجب التحريك وعين الكسر في الفعل للشبهة تحرك الإعراب ، لأن الفعل محل يرد عليه الرفع والنصب ولا يوجد فيه الجر فاختيرت الكسرة التي لا يخفى على أحد أنها ليست بجر ، لأن الفعل لا يجوز فيه الجر ولو فتح لاشتبه بالنصب ، وأما في أواخر الأسماء فلا اشتباه ، لأن الأسماء محل ترد عليه الحركات الثلاث فلم يكن يمكن الاحتراز فاختاروا الأخف ، وأما إن قلنا إنها حرف مقسم به فحقها الجر ويجوز النصب بجعله مفعولاً باقسم على وجه الاتصال ، وتقدير الباء كأن لم يوجد ، وإن قلنا هي اسم السورة ، فإن قلنا مقسم بها مع ذلك فحقها الفتح لأنها لا تنصرف حينئذ ففتح في موضع الجر كما تقول وإبراهيم وأحمد في القسم بهما ، وإن قلنا إنه ليس مقسماً بها وقلنا اسم السورة ، فحقها الرفع إن جعلناها خبراً تقديره : هذه ق ، وإن قلنا هو من قفا يقفو فحقه التنوين كقولنا هذا داع وراع ، وإن قلنا اسم جبل فالجر والتنوين وإن كان قسماً ، ولنعد إلى التفسير فنقول الوصف قد يكون للتمييز وهو الأكثر كقولنا الكلام القديم ليتميز عن الحادث والرجل الكريم ليمتاز عن اللئيم ، وقد يكون لمجرد المدح كقولنا الله الكريم إذ ليس في الوجود إلٰه آخر حتى نميزه عنه بالكريم ، وفي هذا الموضع يحتمل الوجهين ، والظاهر أنه لمجرد المدح ، وأما التمييز فبأن نجعل القرآن اسماً للمقروء ، ويدل عليه قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ قُرْانًا سُيّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } [ الرعد : 31 ] والمجيد العظيم ، وقيل المجيد هو كثير الكرم وعلى الوجهين القرآن مجيد ، أما على قولنا المجيد هو العظيم ، فلأن القرآن عظيم الفائدة ، ولأنه ذكر الله العظيم ، وذكر العظيم عظيم ، ولأنه لم يقدر عليه أحد من الخلق ، وهو آية العظمة يقال ملك عظيم إذا لم يكن يغلب ويدل عليه قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءاتَيْنَـٰكَ سَبْعًا مّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْءانَ ٱلْعَظِيمَ } [ الحجر : 87 ] أي الذي لا يقدر على مثله أحد ليكون معجزة دالة على نبوتك وقوله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ * فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } [ البروج : 21 ، 22 ] أي محفوظ من أن يطلع عليه أحد إلا باطلاعه تعالى فلا يبدل ولا يغير و { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] فهو غير مقدور عليه فهو عظيم ، وأما على قولنا المجيد هو كثير الكرم فالقرآن كريم كل من طلب منه مقصوده وجده ، وإنه مغن كل من لاذ به ، وإغناء المحتاج غاية الكرم ويدل عليه هو أن المجيد مقرون بالحميد في قولنا إنك حميد مجيد ، فالحميد هو المشكور والشكر على الإنعام والمنعم كريم فالمجيد هو الكريم البالغ في الكرم ، وفيه مباحث : الأول : القرآن مقسم به فالمقسم عليه ماذا ؟ نقول فيه وجوه وضبطها بأن نقول ، ذلك إما أن يفهم بقرينة حالية أو قرينة مقالية ، والمقالية إما أن تكون متقدمة على المقسم به أو متأخرة ، فإن قلنا بأنه مفهوم من قرينة مقالية متقدمة فلا متقدم هناك لفظاً إلا { ق } فيكون التقدير : هذا { ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ } أو { ق } أنزلها الله تعالى : { وَٱلْقُرْءانِ } كما يقول هذا حاتم والله أي هو المشهور / بالسخاء ويقول الهلال رأيته والله ، وإن قلنا بأنه مفهوم من قرينة مقالية متأخرة ، فنقول ذلك أمران : أحدهما : المنذر والثاني : الرجع ، فيكون التقدير : والقرآن المجيد إنك المنذر ، أو : والقرآن المجيد إن الرجع لكائن ، لأن الأمرين ورد القسم عليهما ظاهراً ، أما الأول : فيدل عليه قوله تعالى : { يس * وَٱلْقُرْءانِ ٱلْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى أن قال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ } [ يۤس : 1 6 ] . وأما الثاني : فدل عليه قوله تعالى : { وَٱلطُّورِ * وَكِتَـٰبٍ مُّسْطُورٍ } إلى أن قال : { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } [ الطور : 1 7 ] وهذا الوجه يظهر عليه غاية الظهور على قول من قال { ق } اسم جبل فإن القسم يكون بالجبل والقرآن ، وهناك القسم بالطور والكتاب المسطور وهو الجبل والقرآن ، فإن قيل أي الوجهين منهما أظهر عندك ؟ قلت الأول : لأن المنذر أقرب من الرجع ، ولأن الحروف رأيناها مع القرآن والمقسم كونه مرسلاً ومنذراً ، وما رأينا الحروف ذكرت وبعدها الحشر ، واعتبر ذلك في سور منها قوله تعالى : { الم * تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِ ٱلْعَـٰلَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّكَ لِتُنذِرَ } [ السجدة : 1 3 ] ولأن القرآن معجزة دالة على كون محمد رسول الله ، فالقسم به عليه يكون إشارة إلى الدليل على طريقة القسم ، وليس هو بنفسه دليلاً على الحشر ، بل فيه أمارات مفيدة للجزم بالحشر بعد معرفة صدق الرسول ، وأما إن قلنا هو مفهوم بقرينة حالية ، فهو كون محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ولكلامه صفة الصدق ، فإن الكفار كانوا ينكرون ذلك والمختار ما ذكرناه والثاني : { بَلْ عَجِبُواْ } [ قۤ : 2 ] يقتضي أن يكون هناك أمر مضرب عنه فما ذلك ؟ نقول قال الواحدي ووافقه الزمخشري إنه تقدير قوله ما الأمر كما يقولون ونزيده وضوحاً ، فنقول على ما اخترناه : فإن التقدير ، والله أعلم ق والقرآن المجيد إنك لتنذر ، فكأنه قال بعده وإنهم شكوا فيه فأضرب عنه .