Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 40-40)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } إشارة إلى زلفاً من الليل ، ووجه هذا أن النبـي صلى الله عليه وسلم له شغلان . أحدهما : عبادة الله . وثانيهما : هداية الخلق فإذا هداهم ولم يهتدوا ، قيل له أقبل على شغلك الآخر وهو عبادة الحق . ثانيها : سبح بحمد ربك ، أي نزهه عما يقولون ولا تسأم من امتناعهم بل ذكرهم بعظمة الله تعالى ونزهه عن الشرك والعجز عن الممكن الذي هو الحشر قبل الطلوع وقبل الغروب ، فإنهما وقت اجتماعهم { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } أي أوائل الليل ، فإنه أيضاً وقت اجتماع العرب ، ووجه هذا أنه لا ينبغي أن تسأم من تكذيبهم فإن الرسل من قبلك أوذوا وكذبوا وصبروا على ما كذبوا وأوذوا ، وعلى هذا فلقوله تعالى : { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } فائدة جليلة وهي الإشارة إلى ما ذكرنا أن شغل الرسول أمر أن العبادة والهداية فقوله : { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } أي عقب ما سجدت وعبدت نزه ربك بالبرهان عند اجتماع القوم ليحصل لك العبادة بالسجود والهداية أدبار السجود . ثالثها : أن يكون المراد قل سبحان الله ، وذلك لأن ألفاظاً معدودة جاءت بمعنى التلفظ بكلامهم ، فقولنا كبر يطلق ويراد به قول القائل الله أكبر ، وسلم يراد به قوله السلام عليكم ، وحمد يقال لمن قال الحمد لله ، ويقال هلل لمن قال لا إلٰه إلا الله ، وسبح لمن قال سبحان الله ، ووجه هذا أن هذه أمور تتكرر من الإنسان في الكلام والحاجة تدعو إلى الإخبار عنها ، فلو قال القائل فلان قال لا إلٰه إلا الله أو قال الله أكبر طول الكلام ، فمست الحاجة إلى استعمال لفظة واحدة مفيدة لذلك لعدم تكرر ما في الأول ، وأما مناسبة هذا الوجه للكلام الذي هو فيه ، فهي أن تكذيبهم الرسول وتعجبهم من قوله أو استهزاءهم كان يوجب في العادة أن يشتغل النبـي صلى الله عليه وسلم بلعنهم وسبهم والدعاء عليهم فقال : فاصبر على ما يقولون واجعل كلامك بدل الدعاء عليهم التسبيح لله والحمد له ولا تكن كصاحب الحوت أو كنوح عليه السلام حيث قال : { رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] بل ادع إلى ربك فإذا ضجرت عن ذلك بسبب إصرارهم فاشتغل بذكر ربك في نفسك ، وفيه مباحث : البحث الأول : استعمل الله التسبيح تارة مع اللام في قوله تعالى : { يُسَبّحُ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 1 ] ، و { يُسَبّحُونَ لَهُ } [ فصلت : 38 ] وأخرى مع الباء في قوله تعالى : { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ] و { سَبِّحِ بِحَمْدِ رَبّكَ } [ طه : 130 ] وثالثة من غير حرف في قوله { وسبحه } [ الإنسان : 26 ] وقوله { وسبحوه بكرة } [ الأحزاب : 42 ] وقوله : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [ الأعلى : 1 ] فما الفرق بينها ؟ نقول : أما الباء فهي الأهم وبالتقديم أولى في هذا الموضع كقوله تعالى : { وَسَبْح بِحَمْدِ رَبّكَ } فنقول أما على قولنا المراد من سبح قل سبحان الله ، فالباء للمصاحبة أي مقترناً بحمد الله ، فيكون كأنه تعالى قال قل سبحان الله والحمد لله ، وعلى قولنا المراد التنزيه لذلك أي نزهه وأقرنه بحمده أي سبحه واشكره حيث وفقك الله لتسبيحه فإن السعادة الأبدية لمن سبحه ، وعلى هذا فيكون المفعول غير مذكور لحصول العلم به من غير ذكر تقديره : سبح الله بحمد ربك ، أي ملتبساً ومقترناً بحمد ربك ، وعلى قولنا صل ، نقول يحتمل أن يكون ذلك أمراً بقراءة الفاتحة في الصلاة يقال : صلّى فلان بسورة كذا أو صلّى بقل هو الله أحد ، فكأنه يقول صلّى بحمد الله أي مقروءاً فيها : الحمد لله ربّ العالمين ، وهو أبعد الوجوه ، وأما التعدية من غير حرف فنقول هو الأصل لأن التسبيح يتعدى بنفسه لأن معناه تبعيد من السوء ، وأما اللام فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون كما في قول القائل نصحته ونصحت له ، وشكرته وشكرت له . وثانيهما : أن يكون لبيان الأظهر أي يسبحون الله وقلوبهم لوجه الله خالصة . البحث الثاني : قال ههنا : { سَبِّحِ بِحَمْدِ رَبّكَ } ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } من غير باء فما الفرق بين الموضعين ؟ نقول الأمر في الموضعين واحد على قولنا التقدير سبح الله مقترناً بحمد ربك ، وذلك لأن سبح الله كقول القائل فسبحه غير أن المفعول لم يذكر . أولاً : لدلالة قوله بحمد ربك عليه . وثانياً : لدلالة ما سبق عليه لم يذكر بحمد ربك ، الجواب الثاني على قولنا سبح بمعنى صل يكون الأول أمراً بالصلاة ، والثاني أمراً بالتنزيه ، أي وصل بحمد ربك في الوقت وبالليل نزهه عما لا يليق ، وحينئذ يكون هذا إشارة إلى العمل والذكر والفكر . فقوله : { سَبِّحِ } إشارة إلى خير الأعمال وهو الصلاة ، وقوله : { بِحَمْدِ رَبّكَ } إشارة إلى الذكر ، وقوله : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } إشارة إلى خير الأعمال وهو الصلاة ، وقوله : { بِحَمْدِ رَبّكَ } إشارة إلى الذكر ، وقوله : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } إشارة إلى الفكر حين هدوا الأصواب ، وصفاء الباطن أي نزهه عن كل سوء بفكرك ، واعلم أنه لا يتصف إلا بصفات الكمال ونعوت الجلال ، وقوله تعالى : { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } قد تقدم بعض ما يقال في تفسيره ، ووجه آخر هو أنه إشارة إلى الأمر بإدامة التسبيح ، فقوله : { بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ * وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } إشارة إلى أوقات الصلاة ، وقوله : { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } يعني بعدما فرغت من السجود وهو الصلاة فلا تترك تسبيح الله وتنزيهه بل داوم أدبار السجود ليكون جميع أوقاتك في التسبيح فيفيد فائدة قوله تعالى : { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] وقوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ * وَإِلَىٰ رَبّكَ فَٱرْغَبْ } [ الشرح : 7 ، 8 ] وقرىء : { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } . البحث الثالث : الفاء في قوله تعالى : { فَسَبّحْهُ } ما وجهها ؟ نقول هي تفيد تأكيد الأمر بالتسبيح من الليل ، وذلك لأنه يتضمن الشرط كأنه يقول : وأما من الليل فسبحه ، وذلك لأن الشرط يفيد أن عند وجوده يجب وجود الجزاء ، وكأنه تعالى يقول النهار محل الاشتغال وكثرة الشواغل ، فأما الليل فمحل السكون والانقطاع فهو وقت التسبيح ، أو نقول بالعكس الليل محل النوم والثبات والغفلة ، فقال : أما الليل فلا تجعله للغفلة بل اذكر فيه ربك ونزهه . البحث الرابع : { مِنْ } في قوله : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ } يحتمل وجهين . أحدهما : أن يكون لابتداء الغاية أي من أول الليل فسبحه ، وعلى هذا فلم يذكر له غاية لاختلاف ذلك بغلبة النوم وعدمها ، يقال أنا من الليل أنتظرك . ثانيهما : أن يكون للتبعيض أي اصرف من الليل طرفاً إلى التسبيح يقال : من مالك منع ومن الليل انتبه ، أي بعضه . البحث الخامس : قوله : { وَأَدْبَـٰرَ ٱلسُّجُودِ } عطف على ماذا ؟ نقول : يحتمل أن يكون عطفاً على ما قبل الغروب كأنه تعالى قال : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وأدبار السجود وذكر بينهما قوله : { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } وعلى هذا ففيه ما ذكرنا من الفائدة وهي الأمر بالمداومة ، كأنه قال : سبح قبل طلوع الشمس ، وإذا جاء وقت الفراغ من السجود قبل الطلوع فسبح وسبح قبل الغروب ، وبعد الفراغ من السجود قبل الغروب سبحه فيكون ذلك إشارة إلى صرف الليل إلى التسبيح ، ويحتمل أن يكون عطفاً على { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } وعلى هذا يكون عطفاً على الجار والمجرور جميعاً ، تقديره وبعض الليل فسبحه وأدبار السجود .