Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 16-16)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله تعالى : { ءاخِذِينَ مَا ءاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } فيه مسائل ولطائف ، أما المسائل : فالأولى منها : ما معنى آخذين ؟ نقول فيه وجهان أحدهما : قابضين ما آتاهم شيئاً فشيئاً ولا يستوفونه بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له . ثانيها : آخذين قابلين قبول راض كما قال تعالى : { وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ } [ التوبة : 104 ] أي يقبلها ، وهذا ذكره الزمخشري وفيه وجه ثالث : وهو أن قوله : { فِي جَنَّـٰتِ } يدل على السكنى فحسب وقوله : { ءاخِذِينَ } يدل على التملك ولذا يقال أخذ بلاد كذا وقلعة كذا إذا دخلها متملكاً لها ، وكذلك يقال لمن اشترى داراً أو بستاناً أخذه بثمن قليل أي تملكه ، وإن لم يكن هناك قبض حساً ولا قبول برضا ، وحينئذ فائدته بيان أن دخولهم فيها ليس دخول مستعير أو ضعف يسترد منه ذلك ، بل هو ملكه الذي اشتراه بماله ونفسه من الله تعالى وقوله : { ءاتَـٰهُمُ } يكون لبيان أن أخذهم ذلك لم يكن عنوة وفتوحاً ، وإنما كان بإعطاء الله تعالى ، وعلى هذا الوجه { مَا } راجعة إلى الجنّات والعيون . وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } إشارة إلى ثمنها أي أخذوها وملكوها بالإحسان ، كما قال تعالى : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } [ يونس : 26 ] بلام الملك وهي الجنة . المسألة الثانية : { ءاخِذِينَ } حال وهو في معنى قول القائل يأخذون فكيف قال ما آتاهم ولم يقل ما يؤتيهم ليتفق اللفظان ، ويوافق المعنى لأن قوله : { ءاتَـٰهُمُ } ينبـىء عن الانقراض وقوله : { يُؤْتِيهِمْ } تنبيه على الدوام وإيتاء الله في الجنة كل يوم متجدد ولا نهاية له ، ولا سيما إذا فسرنا الأخذ بالقبول ، كيف يصح أن يقال فلان يقبل اليوم ما آتاه زيد أمس ؟ نقول : أما على ما ذكرنا من التفسير لا يرد لأن معناه يتملكون ما أعطاهم ، وقد يوجد الإعطاء أمس ويتملك اليوم ، وأما على ما ذكروه فنقول الله تعالى أعطى المؤمن الجنة وهو في الدنيا غير أنه لم يكن جنى ثمارها فهو يدخلها على هيئة الآخذ وربما يأخذ خيراً مما أتاه ، ولا ينافي ذلك كونه داخلاً على تلك الهيئة ، يقول القائل : جئتك خائفاً فإذا أنا آمن وما ذكرتم إنما يلزم أن لو كان أخذهم مقتصراً على ما آتاهم من قبل ، وليس كذلك وإنما هم دخلوها على ذلك ولم يخطر ببالهم غيره فيؤتيهم الله ما لم يخطر ببالهم فيأخذون ما يؤتيهم الله وإن دخلوها ليأخذوا ما آتاهم ، وقوله تعالى : { إِنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِى شُغُلٍ } [ يۤس : 55 ] هو أخذهم ما آتاهم وقد ذكرناه في سورة يۤس 55 . المسألة الثالثة : { ذٰلِكَ } إشارة إلى ماذا ؟ نقول : يحتمل وجهين أحدهما : قبل دخولهم لأن قوله تعالى : { فِي جَنَّـٰتِ } فيه معنى الدخول يعني قبل دخولهم الجنة أحسنوا ثانيهما : قبل إيتاء الله ما آتاهم الحسنى وهي الجنة فأخذوها ، وفيه وجوه أُخـر ، وهو أن ذلك إشارة إلى يوم الدين وقد تقدم . وأما اللطائف فقد سبق بعضها ، ومنها أن قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } لما كان إشارة إلى التقوى من الشرك كان كأنه قال الذين آمنوا لكن الإيمان مع العمل الصالح يفيد سعادتين ، ولذلك دلالة أتم من قول القائل أنهم أحسنوا . اللطيفة الثانية : أما التقوى فلأنه لما قال لا إلٰه فقد اتقى الشرك ، وأما الإحسان فلأنه لما قال إلا الله فقد أتى بالإحسان ، ولهذا قيل في معنى كلمة التقوى إنها لا إلٰه إلا الله وفي الإحسان قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى ٱللَّهِ } [ فصلت : 33 ] وقيل في تفسير : { هَلْ جَزَاء ٱلإحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإحْسَـٰنُ } [ الرحمٰن : 60 ] إن الإحسان هو الإتيان بكلمة لا إلٰه إلا الله وهما حينئذ لا يتفاصلان بل هما متلازمان .