Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 29-30)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عجوزٌ عَقِيمٌ } . أي أقبلت على أهلها ، وذلك لأنها كانت في خدمتهم ، فلما تكلموا مع زوجها بولادتها استحيت وأعرضت عنهم ، فذكر الله تعالى ذلك بلفظ الإقبال على الأهل ، ولم يقل بلفظ الإدبار عن الملائكة ، وقوله تعالى : { فِى صَرَّةٍ } أي صيحة ، كما جرت عادة النساء حيث يسمعن شيئاً من أحوالهن يصحن صيحة معتادة لهن عند الاستحياء أو التعجب ، ويحتمل أن يقال تلك الصيحة كانت بقولها يا ويلتا ، تدل عليه الآية التي في سورة هود ، وصك الوجه أيضاً من عادتهن ، واستبعدت ذلك لوصفين من اجتماعهما . أحدهما : كبر السن . والثاني : العقم ، لأنها كانت لا تلد في صغر سنها ، وعنفوان شبابها ، ثم عجزت وأيست فاستبعدت ، فكأنها قالت : يا ليتكم دعوتم دعاءً قريباً من الإجابة ، ظناً منها أن ذلك منهم ، كما يصدر من الضيف على سبيل الأخبار من الأدعية كقول الداعي : الله يعطيك مالاً ويرزقك ولداً ، فقالوا : هذا منا ليس بدعاء . وإنما ذلك قول الله تعالى : { قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } ثم دفعوا استبعادها بقولهم : { إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } . وقد ذكرنا تفسيرهما مراراً ، فإن قيل لم قال ههنا { ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } وقال في هود : { حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [ هود : 73 ] نقول لما بينا أن الحكاية هناك أبسط ، فذكروا ما يدفع الاستبعاد بقولهم : { أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } [ هود : 73 ] ثم لما صدقت أرشدوهم إلى القيام بشكر نعم الله ، وذكروهم بنعمته بقولهم : { حَمِيدٌ } فإن الحميد هو الذي يتحقق منه الأفعال الحسنة ، وقولهم : { مَّجِيدٌ } إشارة إلى أن الفائق العالي الهمة لا يحمده لفعله الجميل ، وإنما يحمده ويسبح له لنفسه ، وههنا لما لم يقولوا : { أَتَعْجَبِينَ } إشارة إلى ما يدفع تعجبها من التنبيه على حكمه وعلمه ، وفيه لطيفة وهي أن هذا الترتيب مراعى في السورتين ، فالحميد يتعلق بالفعل ، والمجيد يتعلق بالقول ، وكذلك الحكيم هو الذي فعله ، كما ينبغي لعلمه قاصداً لذلك الوجه بخلاف من يتفق فعله موافقاً للمقصود اتفاقاً ، كمن ينقلب على جنبه فيقتل حية وهو نائم ، فائدة لا يقال له حكيم ، وأما إذا فعل فعلاً قاصداً لقتلها بحيث يسلم عن نهشها ، يقال له حكيم فيه ، والعليم راجع إلى الذات إشارة إلى أنه يستحق الحمد بمجده ، وإن لم يفعل فعلاً وهو قاصد لعلمه ، وإن لم يفعل على وفق القاصد .