Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 50-50)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أمر بالتوحيد ، وفيه لطائف . الأولى : قوله تعالى : { فَفِرُّواْ } ينبـىء عن سرعة الإهلاك كأنه يقول الإهلاك والعذاب أسرع وأقرب من أن يحتمل الحال الإبطاء في الرجوع ، فافزعوا إلى الله سريعاً وفروا . الثانية : قوله تعالى : { إِلَى ٱللَّهِ } بيان المهروب إليه ولم يذكر الذي منه الهرب لأحد وجهين ، إما لكونه معلوماً وهو هول العذاب أو الشيطان الذي قال فيه : { إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } [ فاطر : 6 ] وإما ليكون عاماً كأنه يقول : كل ما عدا الله عدوكم ففروا إليه من كل ما عداه ، وبيانه وهو أن كل ما عداه فإنه يتلف عليك رأس مالك الذي هو العمر ، ويفوت عليك ما هو الحق والخير ، ومتلف رأس المال مفوت الكمال عدو ، وأما إذا فررت إلى الله وأقبلت على الله فهو يأخذ عمرك ولكن يرفع أمرك ويعطيك بقاء لا فناء معه . والثالثة : الفاء للترتيب معناه إذا ثبت أن خالق الزوجين فرد ففروا إليه واتركوا غيره تركاً مؤبداً . الرابعة : في تنوع الكلام فائدة وبيانها هو أن الله تعالى قال : { وَٱلسَّمَاء بَنَيْنَـٰهَا } [ الذاريات : 47 ] { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } [ الذاريات : 48 ] { وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا } [ الذاريات : 49 ] ثم جعل الكلام للنبـي عليه السلام وقال : { فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ولم يقل ففروا إلينا ، وذلك لأن لاختلاف الكلام تأثيراً ، وكذلك لاختلاف المتكلمين تأثيراً ، ولهذا يكثر الإنسان من النصائح مع ولده الذي حاد عن الجادة ، ويجعل الكلام مختلفاً ، نوعاً ترغيباً ونوعاً ترهيباً ، وتنبيهاً بالحكاية ، ثم يقول لغيره تكلم معه لعلّ كلامك ينفع ، لما في أذهان الناس أن اختلاف المتكلمين واختلاف الكلام كلاهما مؤثر ، والله تعالى ذكر أنواعاً من الكلام وكثيراً من الاستدلالات والآيات وذكر طرفاً صالحاً من الحكايات ، ثم ذكر كلاماً من متكلم آخر هو النبـي صلى الله عليه وسلم ، ومن المفسرين من يقول تقديره فقل لهم ففروا وقوله : { إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ } إشارة إلى الرسالة . وفيه أيضاً لطائف . إحداها : أن الله تعالى بيّن عظمته بقوله : { وَٱلسَّمَاء بَنَيْنَـٰهَا } { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا } وهيبته بقوله : { فَنَبَذْنَـٰهُمْ فِى ٱلْيَمّ } [ القصص : 40 ] وقوله تعالى : { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 48 ] وقوله : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } [ النساء : 153 ] وفيه إشارة إلى أنه تعالى إذا عذب قدر على أن يعذب بما به البقاء والوجود وهو التراب والماء والهواء والنار ، فحكايات لوط تدل على أن التراب الذي منه الوجود والبقاء إذا أراد الله جعله سبب الفناء والماء كذلك في قوم فرعون والهواء في عاد والنار في ثمود ، ولعلّ ترتيب الحكايات الأربع للترتيب الذي في العناصر الأربعة وقد ذكرنا في سورة العنكبوت شيئاً منه ، ثم إذا أبان عظمته وهيبته قال لرسوله عرفهم الحال وقل أنا رسول بتقديم الآيات وسرد الحكايات فلإردافه بذكر الرسول فائدة . ثانيها : في الرسالة أمور ثلاثة المرسل والرسول والمرسل إليه وههنا ذكر الكل ، فقوله : { لَكُمْ } إشارة إلى المرسل إليهم وقوله : { مِنْهُ } إشارة إلى المرسل وقوله : { نَّذِيرٍ } بيان للرسول ، وقدم المرسل إليه في الذكر ، لأن المرسل إليه أدخل في أمر الرسالة لأن عنده يتم الأمر ، والملك لو لم يكن هناك من يخالفه أو يوافقه فيرسل إليه نذيراً أو بشيراً لا يرسل وإن كان ملكاً عظيماً ، وإذا حصل المخالف أو الموافق يرسل وإن كان غير عظيم ، ثم المرسل لأنه متعين وهو الباعث ، وأما الرسول فباختياره ، ولولا المرسل المتعين لما تمت الرسالة ، وأما الرسول فلا يتعين ، لأن للملك اختيار من يشاء من عباده ، فقال : { مِنْهُ } ثم قال : { نَّذِيرٍ } تأخيراً للرسول عن المرسل . ثالثها : قوله : { مُّبِينٌ } إشارة إلى ما به تعرف الرسالة ، لأن كل حادث له سبب وعلامة ، فالرسول هو الذي به تتم الرسالة ، ولا بد له من علامة يعرف به ، فقوله : فقوله : { مُّبِينٌ } إشارة إليها وهي إما البرهان والمعجزة .