Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 32-32)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وأم هذه أيضاً على ما ذكرنا متصلة تقديرها أنزل عليهم ذكر ؟ أم تأمرهم أحلامهم بهذا ؟ وذلك لأن الأشياء إما أن تثبت بسمع وإما أن تثبت بعقل فقال هل ورد أمر سمعي ؟ أم عقولهم تأمرهم بما كانوا يقولون ؟ أم هم قوم طاغون يغترون ، ويقولون ما لا دليل عليه سمعاً ولا مقتضى له عقلاً ؟ والطغيان مجاوزة الحد في العصيان وكذلك كل شيء ظاهره مكروه ، قال الله تعالى : { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَاء } [ الحاقه : 11 ] وفيه مسائل : المسألة الأولى : إذا كان المراد ما ذكرت فلم أسقط ما يصدر به ؟ تقول لأن كون ما يقولون به مسنداً إلى نقل معلوم عدمه لا ينفى ، وأما كونه معقولاً فهم كانوا يدعون أنه معقول ، وأما كونهم طاغين فهو حق ، فخص الله تعالى بالذكر ما قالوا به وقال الله به ، فهم قالوا نحن نتبع العقل ، والله تعالى قال هم طاغون فذكر الأمرين اللذين وقع فيهما الخلاف . المسألة الثانية : قوله { تَأْمُرُهُمْ أَحْلَـٰمُهُمْ } إشارة إلى أن كل ما لا يكون على وفق العقل ، لا ينبغي أن يقال ، وإنما ينبغي أن يقال ما يجب قوله عقلاً ، فهل صار كل واجب عقلاً مأموراً به . المسألة الثالثة : ما الأحلام ؟ نقول جمع حلم وهو العقل وهما من باب واحد من حيث المعنى ، لأن العقل يضبط المرء فيكون كالبعير المعقول لا يتحرك من مكانه ، والحلم من الحلم وهو أيضاً سبب وقار المرء وثباته ، وكذلك يقال للعقول النهى من النهي وهو المنع ، وفيه معنى لطيف وهو أن الحلم في أصل اللغة هو ما يراه النائم فينزل ويلزمه الغسل ، وهو سبب البلوغ وعنده يصير الإنسان مكلفاً ، وكأن الله تعالى من لطيف حكمته قرن الشهوة بالعقل وعند ظهور الشهوة كمل العقل فأشار إلى العقل بالإشارة إلى ما يقارنه وهو الحلم ، ليعلم أنه نذير كمال العقل ، لا العقل الذي به يحترز الإنسان تخطىء الشرك ودخول النار ، وعلى هذا ففيه تأكيد لما ذكرنا أن الإنسان لا ينبغي أن يقول كل معقول ، بل لا يقول إلا ما يأمر به العقل الرزين الذي يصحح التكليف . المسألة الرابعة : هذا إشارة إلى ماذا ؟ نقول فيه وجوه الأول : أن يكون هذا إشارة مهمة ، أي بهذا الذي يظهر منهم قولاً وفعلاً حيث يعبدون الأصنام والأوثان ويقولون الهذيان من الكلام الثاني : هذا إشارة إلى قولهم هو كاهن هو شاعر هو مجنون الثالث : هذا إشارة إلى التربص فإنهم لما قالوا نتربص قال الله تعالى أعقولهم تأمرهم بتربص هلاكهم فإن أحداً لم يتوقع هلاك نبيه إلا وهلك . المسألة الخامسة : هل يصح أن تكون أم في هذا الموضع بمعنى بل ؟ نقول نعم ، تقديره يقولون : إنه شاعر قولاً بل يعتقدونه عقلاً ويدخل في عقولهم ذلك ، أي ليس ذلك قولاً منهم من غير عقل بل يعتقدون كونه كاهناً ومجنوناً ، ويدل عليه قراءة من قرأ بل هم قوم طاغون ، لكن بل ههنا واضح وفي قوله بل تأمرهم أحلامهم خفي .