Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 11-11)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : الفؤاد فؤاد من ؟ نقول المشهور أنه فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم معناه أنه ما كذب فؤاده واللام لتعريف ما علم حاله لسبق ذكر محمد عليه الصلاة والسلام في قوله { إِلَىٰ عَبْدِهِ } وفي قوله { وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلأعْلَىٰ } [ النجم : 7 ] وقوله تعالى : { مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ } [ النجم : 2 ] ويحتمل أن يقال { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } أي جنس الفؤاد لأن المكذب هو الوهم والخيال يقول كيف يرى الله أو كيف يرى جبريل مع أنه ألطف من الهوى والهواء لا يرى ، وكذلك يقول الوهم والخيال إن رأى ربه رأى في جهة ومكان وعلى هيئة والكل ينافي كون المرئي إلٰهاً ، ولو رأى جبريل عليه السلام مع أنه صار على صورة دحية أو غيره فقد انقلبت حقيقته ولو جاز ذلك لارتفع الأمان عن المرئيات ، فنقول رؤية الله تعالى ورؤية جبريل عليه السلام على ما رآه محمد عليه الصلاة والسلام جائزة عند من له قلب فالفؤاد لا ينكر ذلك ، وإن كانت النفس المتوهمة والمتخيلة تنكره . المسألة الثانية : ما معنى { مَا كَذَبَ } ؟ نقول فيه وجوه : الوجه الأول : ما قاله الزمخشري وهو أن قلبه لم يكذب وما قال إن ما رآه بصرك ليس بصحيح ، ولو قال فؤاده ذلك لكان كاذباً فيما قاله وهو قريب مما قاله المبرد حيث قال : معناه صدق الفؤاد ، فيما رأى ، رأى شيئاً فصدق فيه الثاني : قرىء { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } بالتشديد ومعناه ما قال إن المرئي خيال لا حقيقة له الثالث : هو أن هذا مقرر لما ذكرنا من أن محمداً صلى الله عليه وسلم ، لما رأى جبريل عليه السلام خلق الله له علماً ضرورياً علم أنه ليس بخيال وليس هو على ما ذكرنا قصد الحق ، وتقديره ما جوّز أن يكون كاذباً وفي الوقوع وإرادة نفي الجواز كثير قال الله تعالى : { لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَىْء } [ غافر : 16 ] وقال : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } [ الأنعام : 103 ] وقال : { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ } [ النمل : 93 ] والكل لنفي الجواز بخلاف قوله تعالى : { لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ يوسف : 56 ] و { لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] ، و { لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } [ النساء : 48 ] فإنه لنفي الوقوع . المسألة الثالثة : الرائي في قوله { مَا رَأَىٰ } هو الفؤاد أو البصر أو غيرهما ؟ نقول فيه وجوه الأول : الفؤاد كأنه تعالى قال : ما كذب الفؤاد ما رآه الفؤاد أي لم يقل إنه جني أو شيطان بل تيقن أن ما رآه بفؤاده صدق صحيح الثاني : البصر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر ، ولم يقل إن ما رآه البصر خيال الثالث : ما كذب الفؤاد ما رأى محمد عليه الصلاة والسلام ، وهذا على قولنا الفؤاد للجنس ظاهر أي القلوب تشهد بصحة ما رآه محمد صلى الله عليه وسلم من الرؤيا وإن كانت الأوهام لا تعترف بها . المسألة الرابعة : ما المرئي في قوله { مَا رَأَىٰ } ؟ نقول على الاختلاف السابق والذي يحتمل الكلام وجوه ثلاثة : الأول : الرب تعالى والثاني : جبريل عليه السلام والثالث : الآيات العجيبة الإلٰهية ، فإن قيل كيف تمكن رؤية الله تعالى بحيث لا يقدح فيه ولا يلزم منه كونه جسماً في جهة ؟ نقول ، اعلم أن العاقل إذا تأمل وتفكر في رجل موجود في مكان ، وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله ، و إذا تفكر في أمر لا يوجد أصلاً وقال هذا مرئي الله تعالى يراه الله تعالى يجد بينهما فرقاً وعقله يصحح الكلام الأول ويكذب الكلام الثاني ، فذلك ليس بمعنى كونه معلوماً لأنه لو قال الموجود معلوم الله والمعدوم معلوم الله لما وجد في كلامه خللاً واستبعاداً فالله راء بمعنى كونه عالماً ، ثم إن الله يكون رائياً ولا يصير مقابلاً للمرئي ، ولا يحصل في جهة ولا يكون مقابلاً له ، وإنما يصعب على الوهم ذلك من حيث إنه لم ير شيئاً إلا في جهة فيقول إن ذلك واجب ، ومما يصحح هذا أنك ترى في الماء قمراً وفي الحقيقة ما رأيت القمر حالة نظرك إلى الماء إلا في مكانه فوق السماء فرأيت القمر في الماء ، لأن الشعاع الخارج من البصر اتصل به فرد الماء ذلك الشعاع إلى السماء ، لكن وهمك لما رأى أكثر ما رآه في المقابلة لم يعهد رؤية شيء يكون خلفه إلا بالتوجه إليه ، قال إني أرى القمر ، ولا رؤية إلا إذ كان المرئي في مقابلة الحدقة ولا مقابل للحدقة إلا الماء ، فحكم إذن بناء على هذا أنه يرى القمر في الماء ، فالوهم يغلب العقل في العالم لكون الأمور العاجلة أكثرها وهمية حسية ، وفي الآخرة تزول الأوهام وتنجلي الأفهام فترى الأشياء لوجودها لا لتحيزها ، واعلم أن من ينكر جواز رؤية الله تعالى ، يلزمه أن ينكر جواز رؤية جبريل عليه السلام ، وفيه إنكار الرسالة وهو كفر ، وفيه ما يكاد أن يكون كفراً ، وذلك لأن من شك في رؤية الله تعالى يقول لو كان الله تعالى جائز الرؤية لكان واجب الرؤية لأن حواسنا سليمة ، والله تعالى ليس من وراء حجاب ولا هو في غاية البعد عنا لعدم كونه في جهة ولا مكان فلو جاز أن يرى ولا نراه ، للزم القدح في المحسوسات المشاهدات ، إذ يجوز حينئذ أن يكون عندنا جبل ولا نراه ، فيقال لذلك القائل قد صح أن جبريل عليه السلام كان ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم وعنده غيره وهو يراه ولو وجب ما يجوز لرآه كل أحد ، فإن قيل إن هناك حجاباً نقول وجب أن يرى هناك حجاباً فإن الحجاب لا يحجب إذا كان مرئياً على مذهبهم ، ثم إن النصوص وردت أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بفؤاده فجعل بصره في فؤاده أو رآه ببصره فجعل فؤاده في بصره ، وكيف لا ، وعلى مذهب أهل السنة الرؤية بالإرادة لا بقدرة العبد ، فإذا حصل الله تعالى العلم بالشيء من طريق البصر كان رؤية ، وإن حصله من طريق القلب كان معرفة والله قادر على أن يحصل العلم بخلق مدرك للمعلوم في البصر كما قدر على أن يحصله بخلق مدرك في القلب ، والمسألة مختلف فيها بين الصحابة في الوقوع واختلاف الوقوع مما ينبىء عن الاتفاق على الجواز والمسألة مذكورة في الأصول فلا نطولها .