Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 29-29)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي اترك مجادلتهم فقد بلغت وأتيت بما كان عليك ، وأكثر المفسرين يقولون : بأن كل ما في القرآن من قوله تعالى : { فَأَعْرَضَ } منسوخ بآية القتل وهو باطل ، فإن الأمر بالإعراض موافق لآية القتال ، فكيف ينسخ به ؟ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلما عارضوه بأباطيلهم قيل له { وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] ثم لما لم ينفع ، قال له ربه : فأعرض عنهم ولا تقابلهم بالدليل والبرهان ، فإنهم لا يتبعون إلا الظن ، ولا يتبعون الحق ، وقابلهم بالإعراض عن المناظرة بشرط جواز المقابلة ، فكيف يكون منسوخاً ، والإعراض من باب أشكاه والهمزة فيه للسلب ، كأنه قال : أزل العرض ، ولا تعرض عليهم بعد هذا أمراً ، وقوله تعالى : { عن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } لبيان تقديم فائدة العرض والمناظرة ، لأن من لا يصغي إلى القول كيف يفهم معناه ؟ وفي { ذِكْرِنَا } وجوه الأول : القرآن الثاني : الدليل والبرهان الثالث : ذكر الله تعالى ، فإن من لا ينظر في الشيء كيف يعرف صفاته ؟ وهم كانوا يقولون : نحن لا نتفكر في آلاء الله لعدم تعلقنا بالله ، وإنما أمرنا مع من خلقنا ، وهم الملائكة أو الدهر على اختلاف أقاويلهم وتباين أباطيلهم ، وقوله تعالى : { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا } إشارة إلى إنكارهم الحشر ، كما قالوا { إِنْ هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا } [ المؤمنون : 37 ] وقال تعالى : { أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ التوبة : 38 ] يعني لم يثبتوا وراءها شيئاً آخر يعملون له ، فقوله { عن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } إشارة إلى إنكارهم الحشر ، لأنه إذا ترك النظر في آلاء الله تعالى لا يعرفه فلا يتبع رسوله فلا ينفعه كلامه . وإذا لم يقل بالحشر والحساب لا يخاف فلا يرجع عما هو عليه ، فلا يبقى إذن فائدة في الدعاء ، واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان طبيب القلوب ، فأتى على ترتيب الأطباء ، وترتيبهم أن الحال إذا أمكن إصلاحه بالغذاء لا يستعملون الدواء ، وما أمكن إصلاحه بالدواء الضعيف لا يستعملون الدواء القوي ، ثم إذا عجزوا عن المداواة بالمشروبات وغيرها عدلوا إلى الحديد والكي وقيل آخر الدواء الكي ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أولاً أمر القلوب بذكر الله فحسب فإن بذكر الله تطمئن القلوب كما أن بالغذاء تطمئن النفوس ، فالذكر غذاء القلب ، ولهذا قال أولاً : قولوا لا إلٰه إلا الله أمر بالذكر لمن انتفع مثل أبي بكر وغيره ممن انتفع ، ومن لم ينتفع ذكر لهم الدليل ، وقال : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } [ الأعراف : 184 ] { قُلِ ٱنظُرُواْ } [ يونس : 101 ] { أَفَلاَ يَنظُرُونَ } [ الغاشيه : 17 ] إلى غير ذلك ، ثم أتى بالوعيد والتهديد ، فلما لم ينفعهم قال : أعرض عن المعالجة ، واقطع الفاسد لئلا يفسد الصالح .