Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 47-47)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهي في قول أكثر المفسرين إشارة إلى الحشر ، والذي ظهر لي بعد طول التفكر والسؤال من فضل الله تعالى الهداية فيه إلى الحق ، أنه يحتمل أن يكون المراد نفخ الروح الإنسانية فيه ، وذلك لأن النفس الشريفة لا الأمارة تخالط الأجسام الكثيفة المظلمة ، وبها كرم الله بني آدم ، وإليه الإشارة في قوله : { فَكَسَوْنَا ٱلْعِظَـٰمَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَـٰهُ خَلْقاً ءاخَرَ } [ المؤمنون : 14 ] غير خلق النطفة علقة ، والعلقة مضغة ، والمضغة عظاماً ، وبهذا الخلق الآخر تميز الإنسان عن أنواع الحيوانات ، وشارك الملك في الإدراكات فكما قال هنالك : { أنشأناهُ خلقاً آخر } بعد خلق النطفة قال ههنا : { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأَخْرَىٰ } فجعل نفخ الروح نشأة أخرى كما جعله هنالك إنشاء آخر ، والذي أوجب القول بهذا هو أن قوله تعالى : { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] عند الأكثرين لبيان الإعادة ، وقوله تعالى : { ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَاء ٱلأَوْفَىٰ } [ النجم : 41 ] كذلك فيكون ذكر النشأة الأخرى إعادة ، ولأنه تعالى قال بعد هذا : { وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ } [ النجم : 48 ] وهذا من أحوال الدنيا ، وعلى ما ذكرنا يكون الترتيب في غاية الحسن فإنه تعالى يقول : خلق الذكر والأنثى ونفخ فيهما الروح الإنسانية الشريفة ثم أغناه بلبن الأم وبنفقة الأب في صغره ، ثم أقناه بالكسب بعد كبره ، فإن قيل : فقد وردت النشأة الأخرى للحشر في قوله تعالى : { فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىء ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَة } [ العنكبوت : 20 ] نقول الآخرة من الآخر لا من الآخر لأن الآخر أفعل ، وقد تقدم على أن هناك لما ذكر البدء حمل على الإعادة وههنا ذكر خلقه من نطفة ، كما في قوله : { ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً } ثم قال : { أنشأناهُ خلقاً آخر } [ المؤمنون : 14 ] وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : { عَلَىٰ } للوجوب ، ولا يجب على الله الإعادة ، فما معنى قوله تعالى : { وَأَنَّ عَلَيْهِ } قال الزمخشري على ما هو مذهبه عليه عقلاً ، فإن من الحكمة الجزاء ، وذلك لا يتم إلا بالحشر ، فيجب عليه عقلاً الإعادة ، ونحن لا نقول بهذا القول ، ونقول فيه وجهان الأول : عليه بحكم الوعد فإنه تعالى قال : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيي ٱلْمَوْتَىٰ } [ يۤس : 12 ] فعليه بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشرع الثاني : عليه للتعيين فإن من حضر بين جمع وحاولوا أمراً وعجزوا عنه ، يقال : وجب عليك إذن أن تفعله أي تعينت له . المسألة الثانية : قرىء : { ٱلنَّشْأَةَ } على أنه مصدر كالضربة على وزن فعلة وهي للمرة ، تقول : ضربته ضربتين ، أي مرة بعد مرة ، يعني النشأة مرة أخرى عليه ، وقرىء النشأة بالمد على أنه مصدر على وزن فعالة كالكفالة ، وكيفما قرىء فهي من نشأ ، وهو لازم وكان الواجب أن يقال : عليه الإنشاء لا النشأة ، نقول فيه فائدة وهي أن الجزم يحصل من هذا بوجود الخلق مرة أخرى ، ولو قال : عليه الإنشاء ربما يقول قائل : الإنشاء من باب الإجلاس ، حيث يقال في السعة أجلسته فما جلس ، وأقمته فما قام فيقال : أنشاء وما نشأ أي قصده لينشأ ولم يوجد ، فإذا قال : عليه النشأة أي يوجد النشء ويحققه بحيث يوجد جزماً . المسألة الثالثة : هل بين قول القائل : عليه النشأة مرة أخرى ، وبين قوله : عليه النشأة الأخرى فرق ؟ نقول : نعم إذا قال : عليه النشأة مرة أخرى لا يكون النشء قد علم أولاً ، وإذا قال : { عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأَخْرَىٰ } يكون قد علم حقيقة النشأة الأخرى ، فنقول ذلك المعلوم عليه .