Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 20-20)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فيه مسائل : المسألة الأولى : { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } وصف أو حال ؟ نقول : يحتمل الأمرين جميعاً ، إذ يصح أن يقال : أرسل ريحاً صرصراً نازعة للناس ، ويصح أن يقال : أرسل الريح نازعة ، فإن قيل : كيف يمكن جعلها حالاً ، وذو الحال نكرة ؟ نقول : الأمر هنا أهون منه في قوله تعالى : { وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ ٱلأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [ القمر : 4 ] فإنه نكرة ، وأجابوا عنه بأن { مَا } موصوفة فتخصصت فحسن جعلها ذات الحال ، فكذلك نقول ههنا الريح موصوفة بالصرصر ، والتنكير فيه للتعظيم ، وإلا فهي ثلاثة فلا يبعد جعلها ذات حال ، وفيه وجه آخر ، وهو أنه كلام مستأنف على فعل وفاعل ، كما تقول : جاء زيد جذبني ، وتقديره جاء فجذبني ، كذلك ههنا قال : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً } [ القمر : 19 ] فأصبحت { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } ويدل عليه قوله تعالى : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ } [ الحاقة : 7 ] فالتاء في قوله : { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } إشارة إلى ما أشار إليه بقوله : { صَرْعَىٰ } وقوله تعالى : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } فيه وجوه أحدها : نزعتهم فصرعتهم : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } كما قال : { صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } ثانيها : نزعتهم فهم بعد النزع : كأنهم أعجاز نخل وهذا أقرب ، لأن الانقعار قبل الوقوع ، فكأن الريح تنزع الواحد وتقعره فينقعر فيقع فيكون صريعاً ، فيخلو الموضع عنه فيخوى ، وقوله في الحاقة : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } إشارة إلى حالة بعد الانقعار الذي هو بعد النزع ، وهذا يفيد أن الحكاية ههنا مختصرة حيث لم يشر إلى صرعهم وخلو منازلهم عنهم بالكلية ، فإن حال الانقعار لا يحصل الخلو التام إذ هو مثل الشروع في الخروج والأخذ فيه ثالثها : تنزعهم نزعاً بعنف كأنهم أعجاز نخل تقعرهم فينقعروا إشارة إلى قوتهم وثباتهم على الأرض ، وفي المعنى وجوه أحدها : أنه ذكر ذلك إشارة إلى عظمة أجسادهم وطول أقدادهم ثانيها : ذكره إشارة إلى ثباتهم في الأرض ، فكأنهم كانوا يعملون أرجلهم في الأرض ويقصدون المنع به على الريح وثالثها : ذكره إشارة إلى يبسهم وجفافهم بالريح ، فكانت تقتلهم وتحرقهم ببردها المفرط فيقعون كأنهم أخشاب يابسة . المسألة الثانية : قال ههنا : { مُّنقَعِرٍ } فذكر النخل ، وقال في الحاقة : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } فأنثها ، قال المفسرون : في تلك السورة كانت أواخر الآيات تقتضي ذلك لقوله : { مُّسْتَمِرٌّ } [ القمر : 19 ] { ومنهمر } [ القمر : 11 ] { ومنتشر } [ القمر : 7 ] وهو جواب حسن ، فإن الكلام كما يزين بحسن المعنى يزين بحسن اللفظ ، ويمكن أن يقال : النخل لفظه لفظ الواحد ، كالبقل والنمل ومعناه معنى الجمع ، فيجوز أن يقال فيه : نخل منقعر ومنقعرة ومنقعرات ، ونخل خاوٍ وخاوية وخاويات ونخل باسق وباسقة وباسقات ، فإذا قال قائل : منقعر أو خاوٍ أو باسق جرد النظر إلى اللفظ ولم يراع جانب المعنى ، وإذا قال : منقعرات أو خاويات أو باسقات جرد النظر إلى المعنى ولم يراع جانب اللفظ ، وإذا قال : منقعرة أو خاوية أو باسقة جمع بين الاعتبارين من حيث وحدة اللفظ ، وربما قال : منقعرة على الإفراد من حيث اللفظ ، وألحق به تاء التأنيث التي في الجماعة إذا عرفت هذا فنقول : ذكر الله تعالى لفظ النخل في مواضع ثلاثة ، ووصفها على الوجوه الثلاثة ، فقال : { وَٱلنَّخْلَ بَـٰسِقَـٰتٍ } [ قۤ : 10 ] فإنها حال منها وهي كالوصف ، وقال : { نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] وقال : { نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } فحيث قال : { مُّنقَعِرٍ } كان المختار ذلك لأن المنقعر في حقيقة الأمر كالمفعول ، لأنه الذي ورد عليه القعر فهو مقعور ، والخاو والباسق فاعل ومعناه إخلاء ما هو مفعول من علامة التأنيث أولاً ، كما تقول : امرأة كفيل ، وامرأة كفيلة ، وامرأة كبير ، وامرأة كبيرة . وأما الباسقات ، فهي فاعلات حقيقة ، لأن البسوق أمر قام بها ، وأما الخاوية ، فهي من باب حسن الوجه ، لأن الخاوي موضعها ، فكأنه قال : نخل خاوية المواضع ، وهذا غاية الإعجاز حيث أتى بلفظ مناسب للألفاظ السابقة واللاحقة من حيث اللفظ ، فكان الدليل يقتضي ذلك ، بخلاف الشاعر الذي يختار اللفظ على المذهب الضعيف لأجل الوزن والقافية .