Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 44-44)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تتميماً لبيان أقسام الخلاص وحصره فيها ، وذلك لأن الخلاص إما أن يكون لاستحقاق من يخلص عن العذاب كما أن الملك إذا عذب جماعة ورأى فيهم من أحسن إليه فلا يعذبه ، وإما أن يكون لأمر في المخلص كما إذا رأى فيهم من له ولد صغير أو أم ضعيفة فيرحمه وإن لم يستحق ويكتب له الخلاص ، وإما أن لا يكون فيه ما يستحق الخلاص بسببه ولا في نفس المعذب مما يوجب الرحمة لكنه لا يقدر عليه بسبب كثرة أعوانه وتعصب إخوانه ، كما إذا هرب واحد من الملك والتجأ إلى عسكر يمنعون الملك عنه ، فكما نفى القسمين الأولين كذلك نفى القسم الثالث وهو التمتع بالأعوان وتحزب الإخوان ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : في حسن الترتيب وذلك لأن المستحق لذاته أقرب إلى الخلاص من المرحوم ، فإن المستحق لم يوجد فيه سبب العذاب والمرحوم وجد فيه ذلك ، ووجد المانع من العذاب ، وما لا سبب له لا يتحقق أصلاً ، وماله مانع ربما لا يقوى المانع على دفع السبب ، وما في نفس المعذب من المانع أقوى من الذي بسبب الغير ، لأن الذي من عنده يمنع الداعية ولا يتحقق الفعل عند عدم الداعية ، والذي من الغير بسبب التمتع لا يقطع قصده بل يجتهد وربما يغلب فيكون تعذيبه أضعاف ما كان من قبل ، بخلاف من يرق له قلبه وتمنعه الرحمة فإنها وإن لم تمنعه لكن لا يزيد في حمله وحبسه وزيادته في التعذيب عند القدرة ، فهذا ترتيب في غاية الحسن . المسألة الثانية : { جَمِيعٌ } فيه فائدتان إحداهما الكثرة والأخرى الاتفاق ، كأنه قال : نحن كثير متفقون فلنا الانتصار ولا يقوم غير هذه اللفظة مقامها من الألفاظ المفردة ، إنما قلنا : إن فيه فائدتين لأن الجمع يدل على الجماعة بحروفه الأصلية من ج م ع وبوزنه وهو فعيل بمعنى مفعول على أنهم جمعوا جمعيتهم العصبية ، ويحتمل أن يقال : معناه نحن الكل لا خارج عنا إشارة إلى أن من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لا اعتداد به قال تعالى في نوح : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [ الشعراء : 111 ] { إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ ٱلرَّأْى } [ هود : 27 ] وعلى هذا { جَمِيعٌ } يكون التنوين فيه لقطع الإضافة كأنهم قالوا : نحن جمع الناس . المسألة الثالثة : ما وجه إفراد المنتصر مع أن نحن ضمير الجمع ؟ نقول : على الوجه الأول ظاهر لأنه وصف الجزء الآخر الواقع خبراً فهو كقول القائل : أنتم جنس منتصر وهم عسكر غالب والجميع كالجنس لفظه لفظ واحد ، ومعناه جمع فيه الكثرة ، وأما على الوجه الثاني فالجواب عنه من وجهين أحدهما : أن المعنى وإن كان جميع الناس لا خارج عنهم إلا من لا يعتد به ، لكن لما قطع ونون صار كالمنكر في الأصل فجاز وصفه بالمنكر نظراً إلى اللفظ فعاد إلى الوجه الأول وثانيهما : أنه خبر بعد خبر ، ويجوز أن يكون أحد الخبرين معرفة والآخرين نكرة ، قال تعالى : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ * ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 14 16 ] وعلى هذا فقوله : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أفرده لمجاورته { جَمِيعٌ } ، ويحتمل أن يقال معنى : { نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } أن جميعاً بمعنى كل واحد كأنه قال : نحن كل واحد منا منتصر ، كما تقول : هم جميعهم أقوياء بمعنى أن كل واحد منهم قوي ، وهم كلهم علماء أي كل واحد عالم فترك الجمع واختار الإفراد لعود الخبر إلى كل واحد فإنهم كانوا يقولون : كل واحد منا يغلب محمداً صلى الله عليه وسلم كما قال أبي بن خلف الجمحي وهذا فيه معنى لطيف وهو أنهم ادعوا أن كل واحد غالب ، والله رد عليهم بأجمعهم بقوله :