Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 27-28)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : الوجه يطلق على الذات والمجسم يحمل الوجه على العضو وهو خلاف العقل والنقل أعني القرآن لأن قوله تعالى : { كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] يدل على أن لا يبقى إلا وجه الله تعالى ، فعلى القول الحق لا إشكال فيه لأن المعنى لا يبقى غير حقيقة الله أو غير ذات الله شيء وهو كذلك ، وعلى قول المجسم يلزم أن لا تبقى يده التي أثبتها ورجله التي قال بها ، لا يقال : فعلى قولكم أيضاً يلزم أن لا يبقى علم الله ولا قدرة الله ، لأن الوجه جعلتموه ذاتاً ، والذات غير الصفات فإذا قلت : كل شيء هالك إلا حقيقة الله خرجت الصفات عنها فيكون قولكم نفياً للصفات ، نقول : الجواب عنه بالعقل والنقل ، أما النقل فذلك أمر يذكر في غير هذا الموضع ، وأما العقل فهو أن قول القائل : لم يبق لفلان إلا ثوب يتناول الثوب وما قام به من اللون والطول والعرض ، وإذا قال : لم يبق إلا كمه لا يدل على بقاء جيبه وذيله ، فكذلك قولنا : يبقى ذات الله تعالى يتناول صفاته وإذا قلتم : لا يبقى غير وجهه بمعنى العضو يلزمه أن لا تبقى يده . المسألة الثانية : فما السبب في حسن إطلاق لفظ الوجه على الذات ؟ نقول : إنه مأخوذ من عرف الناس ، فإن الوجه يستعمل في العرف لحقيقة الإنسان ، ألا ترى أن الإنسان إذا رأى وجه غيره يقول : رأيته ، وإذا رأى غير الوجه من اليد والرجل مثلاً لا يقول : رأيته ، وذلك لأن اطلاع الإنسان على حقائق الأشياء في أكثر الأمر يحصل بالحس ، فإن الإنسان إذا رأى شيئاً علم منه مالم يكن يعلم حال غيبته ، لأن الحس لا يتعلق بجميع المرئي وإنما يتعلق ببعضه ، ثم إن الحس يدرك والحدس يحكم فإذا رأى شيئاً بحسه يحكم عليه بأمر بحدسه ، لكن الإنسان اجتمع في وجهه أعضاء كثيرة كل واحد يدل على أمر ، فإذا رأى الإنسان وجه الإنسان حكم عليه بأحكام ما كان يحكم بها لولا رؤيته وجهه ، فكان أدل على حقيقة الإنسان وأحكامه من غيره ، فاستعمل الوجه في الحقيقة في الإنسان ثم نقل إلى غيره من الأجسام ، ثم نقل لي ما ليس بجسم ، يقال في الكلام هذا وجه حسن وهذا وجه ضعيف ، وقول من قال : إن الوجه من المواجهة كما هو المسطور في البعض من الكتب الفقهية فليس بشيء إذ الأمر على العكس ، لأن الفعل من المصدر والمصدر من الاسم الأصلي وإن كان بالنقل ، فالوجه أول ما وضع للعضو ثم استعمل واشتق منه غيره ، ويعرف ذلك العارف بالتصريف البارع في الأدب . المسألة الثالثة : لو قال : ويبقى ربك أو الله أو غيره فحصلت الفائدة من غير وقوع في توهم ما هو ابتدع ، نقول : ما كان يقوم مقام الوجه لفظ آخر ولا وجه فيه إلا ما قاله الله تعالى ، وذلك لأن سائر الأسماء المعروفة لله تعالى أسماء الفاعل كالرب والخالق والله عند البعض بمعنى المعبود ، فلو قال : ويبقى ربك ربك ، وقولنا : ربك معنيان عند الاستعمال أحدهما أن يقال : شيء من كل ربك ، ثانيهما أن يقال : يبقى ربك مع أنه حالة البقاء ربك فيكون المربوب في ذلك الوقت ، وكذلك لو قال : يبقى الخالق والرازق وغيرهما . المسألة الرابعة : ما الحكمة في لفظ الرب وإضافة الوجه إليه ، وقال في موضع آخر : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 115 ] وقال : { يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } [ الروم : 38 ] نقول : المراد في الموضعين المذكورين هو العبادة . أما قوله : { فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } فظاهر لأن المذكور هناك الصلاة ، وأما قوله : { يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } فالمذكور هو الزكاة قال تعالى من قبل : { فَـئَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } [ الروم : 38 ] { ذَلِكَ خَيْرٌ لّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } [ الروم : 38 ] ولفظ الله يدل على العبادة ، لأن الله هو المعبود ، والمذكور في هذا الموضع النعم التي بها تربية الإنسان فقال : { وَجْهُ رَبّكَ } . المسألة الخامسة : الخطاب بقوله : { رَبَّكَ } مع من ؟ نقول : الظاهر أنه مع كل أحد كأنه يقول : ويبقى وجه ربك أيها السامع ، ويحتمل أن يكون الخطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن قيل : فيكف قال : { فَبِأَيِّ ءَالاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } خطاباً مع الإثنين ، وقال : { وَجْهُ رَبّكَ } خطاباً مع الواحد ؟ نقول : عند قوله : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } وقعت الإشارة إلى فناء كل أحد ، وبقاء الله فقال وجه ربك أي يا أيها السامع فلا تلتفت إلى أحد غير الله تعالى ، فإن كل من عداه فان ، والمخاطب كثيراً ما يخرج عن الإرادة في الكلام ، فإنك إذا قلت : لمن يشكو إليك من أهل موضع سأعاقب لأجلك كل من في ذلك الموضع يخرج المخاطب عن الوعيد ، وإن كان من أهل الموضع فقال : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } ليعلم كل أحد أن غيره فان ، ولو قال : وجه ربكما لكان كل واحد يخرج نفسه ورفيقه المخاطب من الفناء ، فإن قلت : لو قال ويبقى وجه الرب من غير خطاب كان أدل على فناء الكل ؟ نقول : كأن الخطاب في الرب إشارة إلى اللطف والإبقاء إشارة إلى القهر ، والموضع موضع بيان اللطف وتعديد النعم ، فلو قال : بلفظ الرب لم يدل عليه الخطاب ، وفي لفظ الرب عادة جارية وهي أنه لا يترك استعماله مع الإضافة . فالعبد يقول : ربنا اغفر لنا ، ورب اغفر لي ، والله تعالى يقول : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ } [ الدخان : 8 ] و { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] وحيث ترك الإضافة ذكره مع صفة أخرى من أوصاف اللفظ ، حيث قال تعالى : { بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ : 15 ] وقال تعالى : { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } [ يۤس : 58 ] ولفظ الرب يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى التربية ، يقال : ربه يربه رباً مثل رباه يربيه ، ويحتمل أن يكون وصفاً من الرب الذي هو مصدر بمعنى الراب كالطب للطبيب ، والسمع للحاسة ، والبخل للبخيل ، وأمثال ذلك لكن من باب فعل ، وعلى هذا فيكون كأنه فعل من باب فعل يفعل أي فعل الذي للغريزي كما يقال فيما إذا قلنا : فلان أعلم وأحكم ، فكان وصفاً له من باب فعل اللازم ليخرج عن التعدي . المسألة السادسة : { ٱلْجَلْـٰلِ } إشارة إلى كل صفة من باب النفي ، كقولنا : الله ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ، ولهذا يقال : جل أن يكون محتاجاً ، وجل أن يكون عاجزاً ، والتحقيق فيه أن الجلال هو بمعنى العظمة غير أن العظمة أصلها في القوة ، والجلال في الفعل ، فهو عظيم لا يسعه عقل ضعيف فجل أن يسعه كل فرض معقول : { وَٱلإكْرَامِ } إشارة إلى كل صفة هي من باب الإثبات ، كقولنا : حي قادر عالم ، وأما السميع والبصير فإنهما من باب الإثبات كذلك عند أهل السنة ، وعند المعتزلة من باب النفي ، وصفات باب النفي قبل صفات باب الإثبات عندنا ، لأنا أولاً نجد الدليل وهو العالم فنقول : العالم محتاج إلى شيء وذلك الشيء ليس مثل العالم فليس بمحدث ولا محتاج ، ولا ممكن ، ثم نثبت له القدرة والعلم وغيرهما ، ومن هنا قال تعالى لعباده : { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ الصافات : 35 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " " ونفي الإلهية عن غير الله ، نفي صفات غير الله عن الله ، فإنك إذا قلت : الجسم ليس بإله لزم منه قولك : الله ليس بجسم و الجلال والإكرام وصفان مرتبان على أمرين سابقين ، فالجلال مرتب على فناء الغير والإكرام على بقائه تعالى ، فيبقى الفرد وقد عز أن يحد أمره بفناء من عداه وما عداه ، ويبقى وهو مكرم قادر عالم فيوجد بعد فنائهم من يريد ، وقرىء : { ذُو ٱلْجَلْـٰلِ } ، و { ذِى ٱلْجَلَـٰلِ } . وسنذكر ما يتعلق به في تفسير آخر السورة إن شاء الله تعالى .