Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 50-53)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي في كل واحدة منهما عين جارية ، كما قال تعالى : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } وفي كل واحدة منهما من الفواكه نوعان ، وفيها مسائل بعضها يذكر عند تفسير قوله تعالى : { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمٰن : 66 - 68 ] وبعضها يذكر ههنا . المسألة الأولى : هي أن قوله : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } [ الرحمٰن : 48 ] و { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } و { فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } كلها أوصاف للجنتين المذكورتين فهو كالكلام الواحد تقديره : جنتان ذواتا أفنان ، ثابت فيهما عينان ، كائن فيهما من كل فاكهة زوجان ، فإن قيل : ما الفائدة في فصل بعضها عن بعض بقوله تعالى : { فَبِأَىّ ءَالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ثلاث مرات مع أنه في ذكر العذاب ما فصل بين كلامين بها حيث قال : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [ الرحمٰن : 35 ] مع أن إرسال نحاس غير إرسال شواظ ، وقال : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ } [ الرحمٰن : 44 ] مع أن الحميم غير الجحيم ، وكذا قال تعالى : { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } [ الرحمٰن : 43 ] وهو كلام تام ، وقوله تعالى : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ } [ الرحمٰن : 44 ] كلام آخر ولم يفصل بينهما بالآية المذكورة ؟ نقول : فيه تغليب جانب الرحمة ، فإن آيات العذاب سردها سرداً وذكرها جملة ليقصر ذكرها ، والثواب ذكره شيئاً فشيئاً ، لأن ذكره يطيب للسامع فقال بالفصل وتكرار عود الضمير إلى الجنس بقوله : { فِيهِمَا عَيْنَانِ } ، { فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ } لأن إعادة ذكر المحبوب محبوب ، والتطويل بذكر اللذات مستحسن . المسألة الثانية : قوله تعالى : { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } أي في كل واحدة عين واحدة كما مر ، وقوله : { فِيهِمَا مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } معناه كل واحدة منهما زوج ، أو معناه في كل واحدة منهما من الفواكه زوجان ، ويحتمل أن يكون المراد مثل ذلك أي في كل واحدة من الجنتين زوج من كل فاكهة ففيهما جميعاً زوجان من كل فاكهة ، وهذا إذا جعلنا الكنايتين فيهما للزوجين ، أو نقول : من كل فاكهة لبيان حال الزوجين ، ومثاله إذا دخلت من على ما لا يمكن أن يكون كائناً في شيء كقولك : في الدار من الشرق رجل ، أي فيها رجل من الشرق ، ويحتمل أن يكون المراد في كل واحدة منها زوجان ، وعلى هذا يكون كالصفة بما يدل عليه من كل فاكهة كأنه قال : فيهما من كل فاكهة ، أي كائن فيهما شيء من كل فاكهة ، وذلك الكائن زوجان ، وهذا بين فيما تكون من داخله على ما لا يمكن أن يكون هناك كائن في الشيء غيره ، كقولك : في الدار من كل ساكن ، فإذا قلنا : فيهما من كل فاكهة زوجان الثالث : عند ذكر الأفنان لو قال : فيهما من كل فاكهة زوجان كان متناسباً لأن الأغصان عليها الفواكه ، فما الفائدة في ذكر العينين بين الأمرين المتصل أحدهما بالآخر ؟ نقول : جرى ذكر الجنة على عادة المتنعمين ، فإنهم إذا دخلوا البستان لا يبادرون إلى أكل الثمار بل يقدمون التفرج على الأكل ، مع أن الإنسان في بستان الدنيا لا يأكل حتى يجوع ويشتهي شهوة مؤلمة فكيف في الجنة فذكر ما يتم به النزهة وهو خضرة الأشجار ، وجريان الأنهار ، ثم ذكر ما يكون بعد النزهة وهو أكل الثمار ، فسبحان من يأتي بالآي بأحسن المعاني في أبين المباني .