Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 62-67)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر الجزاء ذكر بعده مثله وهو جنتان أخريان ، وهذا كقوله تعالى : { لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] وفي قوله تعالى : { دُونِهِمَا } وجهان أحدهما : دونهما في الشرف ، وهو ما اختاره صاحب « الكشاف » وقال قوله : { مُدْهَامَّتَانِ } مع قوله في الأوليين : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } [ الرحمٰن : 48 ] وقوله في هذه : { عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } مع قوله في الأوليين : { عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [ الرحمٰن : 50 ] لأن النضخ دون الجري ، وقوله في الأولين : { مِن كُلّ فَـٰكِهَةٍ زَوْجَانِ } [ الرحمٰن : 52 ] مع قوله في هاتين : { فَـٰكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمٰن : 68 ] وقوله في الأوليين : { فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } حيث ترك ذكر الظهائر لعلوها ورفعتها وعدم إدراك العقول إياها مع قوله في هاتين : { رَفْرَفٍ خُضْرٍ } [ الرحمٰن : 76 ] دليل عليه ، ولقائل أن يقول : هذا ضعيف لأن عطايا الله في الآخرة متتابعة لا يعطي شيئاً بعد شيء إلا ويظن الظان أنه ذلك أو خير منه . ويمكن أن يجاب عنه تقريراً لما اختاره الزمخشري أن الجنتين اللتين دون الأولين لذريتهم اللذين ألحقهم الله بهم ولأتباعهم ، ولكنه إنما جعلهما لهم إنعاماً عليهم ، أي هاتان الأخريان لكم أسكنوا فيهما من تريدون الثاني : أن المراد دونهما في المكان كأنهم في جنتين ويطلعوا من فوق على جنتين أخريين دونهما ، ويدل عليه قوله تعالى { لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ } [ الزمر : 20 ] الآية . والغرف العالية عندها أفنان ، والغرف التي دونها أرضها مخضرة ، وعلى هذا ففي الآيات لطائف : الأولى : قال في الأوليين : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } وقال في هاتين : { مُدْهَامَّتَانِ } أي مخضرتان في غاية الخضرة ، وإدهام الشيء أي اسواد لكن لا يستعمل في بعض الأشياء والأرض إذا اخضرت غاية الخضرة تضرب إلى أسود ، ويحتمل أن يقال : الأرض الخالية عن الزرع يقال لها : بياض أرض وإذا كانت معمورة يقال لها : سواد أرض كما يقال : سواد البلد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " عليكم بالسواد الأعظم ومن كثر سواد قوم فهو منهم " " والتحقيق فيه أن ابتداء الألوان هو البياض وانتهاءها هو السواد ، فإن الأبيض يقبل كل لون والأسود لا يقبل شيئاً من الألوان ، ولهذا يطلق الكافر على الأسود ولا يطلق على لون آخر ، ولما كانت الخالية عن الزرع متصفة بالبياض واللاخالية بالسواد فهذا يدل على أنهما تحت الأوليين مكاناً ، فهم إذا نظروا إلى ما فوقهم ، يرون الأفنان تظلهم ، وإذا نظروا إلى ما تحتهم يرون الأرض مخضرة ، وقوله تعالى : { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } أي فائرتان ماؤهما متحرك إلى جهة فوق ، وأما العينان المتقدمتان فتجريان إلى صوب المؤمنين فكلاهما حركتهما إلى جهة مكان أهل الإيمان ، وأما قول صاحب « الكشاف » : النضخ دون الجري فغير لازم لجواز أن يكون الجري يسيراً والنضخ قوياً كثيراً ، بل المراد أن النضخ فيه الحركة إلى جهة العلو ، والعينان في مكان المؤمنين ، فحركة الماء تكون إلى جهتهم ، فالعينان الأوليان في مكانهم فتكون حركة مائهما إلى صوب المؤمنين جرياً .