Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 78-78)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : في الترتيب وفيه وجوه أحدها : أنه تعالى لما ختم نعم الدنيا بقوله تعالى : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ ذُو ٱلْجَلْـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } [ الرحمـٰن : 27 ] ختم نعم الآخرة بقوله : { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } إشارة إلى أن الباقي والدائم لذاته هو الله تعالى لا غير والدنيا فانية ، والآخرة وإن كانت باقية لكن بقاؤها بإبقاء الله تعالى ثانيها : هو أنه تعالى في أواخر هذه السور كلها ذكر اسم الله فقال في السورة التي قبل هذه : { عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] وكون العبد عند الله من أتم النعم كذلك ههنا بعد ذكر الجنات وما فيها من النعم قال : { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ ذِى ٱلْجَلَـٰلِ وَٱلإكْرَامِ } إشارة إلى أن أتم النعم عند الله تعالى ، وأكمل اللذات ذكر الله تعالى ، وقال في السورة التي بعد هذه : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةٍ نَعِيمٍ } [ الواقعة : 89 ] ثم قال تعالى في آخر السورة : { فَسَبّحْ بِٱسْمِ رَبّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 96 ] ثالثها : أنه تعالى ذكر جميع الذات في الجنات ، ولم يذكر لذة السماع وهي من أتم أنواعها ، فقال : { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ } يسمعون ذكر الله تعالى . المسألة الثانية : أصل التبارك من البركة وهي الدوام والثبات ، ومنها بروك البعير وبركة الماء ، فإن الماء يكون فيها دائماً وفيه وجوه أحدها : دام اسمه وثبت وثانيها : دام الخير عنده لأن البركة وإن كانت من الثبات لكنها تستعمل في الخير وثالثها : تبارك بمعنى علا وارتفع شأناً لا مكاناً . المسألة الثالثة : قال بعد ذكر نعم الدنيا : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } [ الرحمٰن : 27 ] وقال بعد ذكر نعم الآخرة : { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ } لأن الإشارة بعد عد نعم الدنيا وقعت إلى عدم كل شيء من الممكنات وفنائها في ذواتها ، واسم الله تعالى ينفع الذاكرين ولا ذاكر هناك يوحد الله غاية التوحيد فقال : ويبقى وجه الله تعالى والإشارة هنا ، وقعت إلى أن بقاء أهل الجنة بإبقاء الله ذاكرين اسم الله متلذذين به فقال : { تَبَـٰرَكَ ٱسْمُ رَبّكَ } أي في ذلك اليوم لا يبقى اسم أحد إلا اسم الله تعالى به تدور الألسن ولا يكون لأحد عند أحد حاجة بذكره ولا من أحد خوف ، فإن تذاكروا تذاكروا باسم الله . المسألة الرابعة : الاسم مقحم أو هو أصل مذكور له التبارك ، نقول : فيه وجهان أحدهما : وهو المشهور أنه مقحم كالوجه في قوله تعالى : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ } يدل عليه قوله : { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَـٰلِقِينَ } [ المؤمنين : 14 ] و : { تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } [ الملك : 1 ] وغيره من صور استعمال لفظ تبارك وثانيهما : هو أن الاسم تبارك ، وفيه إشارة إلى معنى بليغ ، أما إذا قلنا : تبارك بمعنى علا فمن علا اسمه كيف يكون مسماه وذلك لأن الملك إذا عظم شأنه لا يذكر اسمه إلا بنوع تعظيم ثم إذا انتهى الذاكر إليه يكون تعظيمه له أكثر ، فإن غاية التعظيم للاسم أن السامع إذا سمعه قام كما جرت عادة الملوك أنهم إذا سمعوا في الرسائل اسم سلطان عظيم يقومون عند سماع اسمه ، ثم إن أتاهم السلطان بنفسه بدلاً عن كتابه الذي فيه اسمه يستقبلونه ويضعون الجباه على الأرض بين يديه ، وهذا من الدلائل الظاهرة على أن علو الاسم يدل على علو زائد في المسمى ، أما إن قلنا : بمعنى دام الخير عنده فهو إشارة إلى أن ذكر اسم الله تعالى يزيل الشر ويهرب الشيطان ويزيد الخير ويقرب السعادات ، وأما إن قلنا : بمعنى دام اسم الله ، فهو إشارة إلى دوام الذاكرين في الجنة على ما قلنا من قبل . المسألة الخامسة : القراءة المشهورة ههنا : { ذِى ٱلْجَلَـٰلِ } وفي قوله تعالى : { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبّكَ ذُو ٱلْجَلْـٰلِ } لأن الجلال للرب ، والاسم غير المسمى ، وأما وجه الرب فهو الرب فوصف هناك الوجه ووصف ههنا الرب ، دون الاسم ولو قال : ويبقى الرب لتوهم أن الرب إذا بقي رباً فله في ذلك الزمان مربوب ، فإذا قال وجه أنسى المربوب فحصل القطع بالبقاء للحق فوصف الوجه يفيد هذه الفائدة ، والله أعلم . والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه .