Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 12-12)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : عرف النعيم باللام ههنا وقال في آخر السورة : { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ } [ الواقعة : 89 ] بدون اللام ، والمذكور في آخر السورة هو واحد من السابقين فله جنة من هذه الجنات وهذه معرفة بالإضافة إلى المعرفة ، وتلك غير معرفة فما الفرق بينهما ؟ فنقول : الفرق لفظي ومعنوي فاللفظي هو أن السابقين معرفون باللام المستغرقة لجنسهم ، فجعل موضع المعرفين معرفاً ، وأما هناك فهو غير معرف ، لأن قوله : { إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } [ الواقعة : 88 ] أي إن كان فرداً منهم فجعل موضعه غير معرف مع جواز أن يكون الشخص معرفاً وموضعه غير معرف ، كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } [ الذاريات : 15 ] و { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٍ وَنَهَرٍ } [ القمر : 54 ] وبالعكس أيضاً ، وأما المعنوي : فنقول : عند ذكر الجمع جمع الجنات في سائر المواضع فقال تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٍ } وقال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّـٰتِ } [ الواقعة : 11 ، 12 ] لكن السابقون نوع من المتقين ، وفي المتقين غير السابقون أيضاً ، ثم إن السابقين لهم منازل ليس فوقها منازل ، فهي صارت معروفة لكونها في غاية العلو أو لأنها لا أحد فوقها ، وأما باقي المتقين فلكل واحد مرتبة وفوقها مرتبة فهم في جنات متناسبة في المنزلة لا يجمعها صقع واحد لاختلاف منازلهم ، وجنات السابقين على حد واحد في على عليين يعرفها كل أحد ، وأما الواحد منهم فإن منزلته بين المنازل ، ولا يعرف كل أحد أنه لفلان السابق فلم يعرفها ، وأما منازلهم فيعرفها كل أحد ، ويعلم أنها للسابقين ، ولم يعرف الذي للمتقين على وجه كذا . المسألة الثانية : إضافة الجنة إلى النعيم من أي الأنواع ؟ نقول : إضافة المكان إلى ما يقع في المكان يقال : دار الضيافة ، ودار الدعوة ، ودار العدل ، فكذلك جنة النعيم ، وفائدتها أن الجنة في الدنيا قد تكون للنعيم ، وقد تكون للاشتغال والتعيش بأثمان ثمارها ، بخلاف الجنة في الآخرة فإنها للنعيم لا غير . المسألة الثالثة : في { جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } ، يحتمل أن يكون خبراً بعد خبر ، ويحتمل أن يكون خبراً واحداً ، أما الأول فتقديره : أولئك المقربون كائنون في جنات ، كقوله : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } [ البروج : 16 ] ، وأما الثاني فتقديرهم المقربون في الجنات من الله كما يقال : هو المختار عند الملك في هذه البلدة ، وعلى الوجه الأول فائدته بيان تنعيم جسمهم ، وكرامة نفسهم فهم مقربون عند الله فهم في غاية اللذة وفي جنات ، فجسمهم في غاية النعيم ، بخلاف المقربين عند الملوك ، فإنهم يلتذون بالقرب لكن لا يكون لجسمهم راحة ، بل يكونون في تعب من الوقوف وقضاء الأشغال ، ولهذا قال : { فِي جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } ولم يقتصر على جنات ، وعلى الوجه الثاني فائدته التمييز عن الملائكة ، فإن المقربين في يومنا هذا في السموات هم الملائكة والسابقون المقربون في الجنة فيكون المقربون في غيرها هم الملائكة وفيه لطيفة : وهي أن قرب الملائكة قرب الخواص عند الملك الذين هم للأشغال ، فهم ليسوا في نعيم ، وإن كانوا في لذة عظيمة ولا يزالون مشفقين قائمين بباب الله يرد عليهم الأمر ولا يرتفع عنهم التكليف ، والسابقون لهم قرب عند الله ، كما يكون لجلساء الملوك ، فهم لا يكون بيدهم شغل ولا يرد عليهم أمر ، فيلتذون بالقرب ، ويتنعمون بالراحة .