Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 27-29)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما بين حال السابقين شرع في شأن أصحاب الميمنة من الأزواج الثلاثة ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : ما الفائدة في ذكرهم بلفظ : { أصحاب الميمنة } [ الواقعة : 8 ] عند ذكر الأقسام ، وبلفظ : { أصحاب اليمين } عند ذكر الإنعام ؟ نقول : الميمنة مفعلة إما بمعنى موضع اليمين كالمحكمة لموضع الحكم ، أي الأرض التي فيها اليمين وإما بمعنى موضع اليمن كالمنارة موضع النار ، والمجمرة موضع الجمر ، فكيفما كان الميمنة فيها دلالة على الموضع ، لكن الأزواج الثلاثة في أول الأمر يتميز بعضهم عن بعض ، ويتفرقون لقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] وقال : { يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] فيتفرقون بالمكان فأشار في الأول إليهم بلفظ يدل على المكان ، ثم عند الثواب وقع تفرقهم بأمر مبهم لا يتشاركون فيه كالمكان ، فقال : { وَأَصْحَـٰبُ ٱلْيَمِينِ } وفيه وجوه أحدها : أصحاب اليمين الذين يأخذون بأيمانهم كتبهم ثانيها : أصحاب القوة ثالثها : أصحاب النور ، وقد تقدم بيانه . المسألة الثانية : ما الحكمة في قوله تعالى : { فِى سِدْرٍ } وأية نعمة تكون في كونهم في سدر ، والسدر من أشجار البوادي ، لا بمر ولا بحلو ولا بطيب ؟ نقول : فيه حكمة بالغة غفلت عنها الأوائل والأواخر ، واقتصروا في الجواب والتقريب أن الجنة تمثل بما كان عند العرب عزيزاً محموداً ، وهو صواب ولكنه غير فائق ، والفائق الرائق الذي هو بتفسير كلام الله لائق ، هو أن نقول : إنا قد بينا مراراً أن البليغ يذكر طرفي أمرين ، يتضمن ذكرهما الإشارة إلى جميع ما بينهما ، كما يقال : فلان ملك الشرق والغرب ، ويفهم منه أنه ملكهما وملك ما بينهما ، ويقال : فلان أرضى الصغير والكبير ، ويفهم منه أنه أرضى كل أحد إلى غير ذلك ، فنقول : لا خفاء في أن تزين المواضع التي يتفرج فيها بالأشجار ، وتلك الأشجار تارة يطلب منها نفس الورق والنظر إليه والاستظلال به ، وتارة يقصد إلى ثمارها ، وتارة يجمع بينهما ، لكن الأشجار أوراقها على أقسام كثيرة ، ويجمعها نوعان : أوراث صغار ، وأوراق كبار ، والسدر في غاية الصغر ، والطلح وهو شجر الموز في غاية الكبر ، فقوله تعالى : { فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } إشارة إلى ما يكون ورقه في غاية الصغر من الأشجار ، وإلى ما يكون ورقه في غاية الكبر منها ، فوقعت الإشارة إلى الطرفين جامعة لجميع الأشجار نظراً إلى أوراقها ، والورق أحد مقاصد الشجر ونظيره في الذكر ذكر النخل والرمان عند القصد إلى ذكر الثمار ، لأن بينهما غاية الخلاف كما بيناه في موضعه ، فوقعت الإشارة إليهما جامعة لجميع الأشجار نظراً إلى ثمارها ، وكذلك قلنا في النخيل والأعناب ، فإن النخل من أعظم الأشجار المثمرة ، والكرم من أصغر الأشجار المثمرة ، وبينهما أشجار فوقعت الإشارة إليهما جامعة لسائر الأشجار ، وهذا جواب فائق وفقنا الله تعالى له . المسألة الثالثة : ما معنى المخضود ؟ نقول فيه وجهان أحدهما : مأخوذ الشوك ، فإن شوك السدر يستقصف ورقها ، ولولاه لكان منتزه العرب ، ذلك لأنها تظل لكثرة أوراقها ودخول بعضها في بعض وثانيهما : مخضود أي متعطف إلى أسفل ، فإن رؤوس أغصان السدر في الدنيا تميل إلى فوق بخلاف أشجار الثمار ، فإن رؤوسها تتدلى ، وحينئذ معناه أنه يخالف سدر الدنيا ، فإن لها ثمراً كثيراً . المسألة الرابعة : ما الطلح ؟ نقول : الظاهر أنه شجر الموز ، وبه يتم ما ذكرنا من الفائدة روي أن علياً عليه السلام سمع من يقرأ : { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } فقال : ما شأن الطلح ؟ إنما هو وطلع ، واستدل بقوله تعالى : { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] فقالوا : في المصاحف كذلك ، فقال : لا تحول المصاحف ، فنقول : هذا دليل معجزة القرآن ، وغزارة علم علي رضي الله عنه . أما المعجزة فلأن علياً كان من فصحاء العرب ولما سمع هذا حمله على الطلع واستمر عليه ، وما كان قد اتفق حرفه لمبادرة ذهنه إلى معنى ، ثم قال في نفسه : إن هذا الكلام في غاية الحسن ، لأنه تعالى ذكر الشجر المقصود منه الورق للاستظلال به ، والشجر المقصود منه الثمر للاستغلال به ، فذكر النوعين ، ثم إنه لما اطلع على حقيقة اللفظ علم أن الطلح في هذا الموضع أولى ، وهو أفصح من الكلام الذي ظنه في غاية الفصاحة فقال : المصحف بين لي أنه خير مما كان في ظني فالمصحف لا يحول . والذي يؤيد هذا أنه لو كان طلع لكان قوله تعالى : { وَفَـٰكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } [ الواقعة : 32 ] تكرار أحرف من غير فائدة ، وأما على الطلح فتظهر فائدة قوله تعالى : { وَفَـٰكِهَةٍ } وسنبينها إن شاء الله تعالى . المسألة الخامسة : ما المنضود ؟ فنقول : إما الورق وإما الثمر ، والظاهر أن المراد الورق ، لأن شجر الموز من أوله إلى أعلاه يكون ورقاً بعد ورق ، وهو ينبت كشجر الحنطة ورقاً بعد ورق وساقه يغلظ وترتفع أوراقه ، ويبقى بعضها دون بعض ، كما في القصب ، فموز الدنيا إذا ثبت كان بين القصب وبين بعضها فرجة ، وليس عليها ورق ، وموز الآخرة يكون ورقه متصلاً بعضه ببعض فهو أكثر أوراقاً ، وقيل : المنضود المثمر ، فإن قيل : إذا كان الطلح شجراً فهو لا يكون منضوداً وإنما يكون له ثمر منضود ، فكيف وصف به الطلح ؟ نقول : هو من باب حسن الوجه وصف بسبب اتصاف ما يتصل به ، يقال : زيد حسن الوجه ، وقد يترك الوجه ويقال : زيد حسن والمراد حسن الوجه ولا يترك إن أوهم فيصح أن يقال : زيد مضروب الغلام ، ولا يجوز ترك الغلام لأنه يوهم الخطأ ، وأما حسن الوجه فيجوز ترك الوجه .