Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 49-50)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقوله : { قُلْ } إشارة إلى أن الأمر في غاية الظهور ، وذلك أن في الرسالة أسراراً لا تقال إلا للأبرار ، ومن جملتها تعيين وقت القيامة لأن العوام لو علموا لاتَّكلوا والأنبياء ربما اطلعوا على علاماتها أكثر مما بينوا وربما بينوا للأكابر من الصحابة علامات على ما نبين ففيه وجوه أولها : قوله : { قُلْ } يعني أن هذا من جملة الأمور التي بلغت في الظهور إلى حد يشترك فيه العوام والخواص ، فقال : قل قولاً عاماً وهكذا في كل موضع ، قال : قل كان الأمر ظاهراً ، قال الله تعالى : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] وقال : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } [ الكهف : 110 ] وقال : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّى } [ الإسراء : 85 ] أي هذا هو الظاهر من أمر الروح وغيره خفي ثانيها : قوله تعالى : { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلأَخِرِينَ } بتقديم الأولين على الآخرين في جواب قولهم : { أَوَ ءابَاؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الواقعة : 48 ] فإنهم أخروا ذكر الآباء لكون الاستبعاد فيهم أكثر ، فقال إن الأولين الذين تستبعدون بعثهم وتؤخرونهم يبعثهم الله في أمر مقدم على الآخرين ، يتبين منه إثبات حال من أخرتموه مستبعدين ، إشارة إلى كون الأمر هيناً ثالثها : قوله تعالى : { لَمَجْمُوعُونَ } فإنهم أنكروا قوله : { لَمَبْعُوثُونَ } [ الواقعة : 47 ] فقال : هو واقع مع أمر زائد ، وهو أنهم يحشرون ويجمعون في عرصة الحساب ، وهذا فوق البعث ، فإن من بقي تحت التراب مدة طويلة ثم حشر ربما لا يكون له قدرة على الحركة ، وكيف لو كان حياً محبوساً في قبره مدة لتعذرت عليه الحركة ، ثم إنه تعالى بقدرته يحركه بأسرع حركة ويجمعه بأقوى سير ، وقوله تعالى : { لَمَجْمُوعُونَ } فوق قول القائل : مجموعون كما قلنا : إن قول قول القائل : إنه يموت في إفادة التوكيد دون قوله : إنه ميت رابعها : قوله تعالى : { إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } فإنه يدل على أن الله تعالى يجمعهم في يوم واحد معلوم ، واجتماع عدد من الأموات لا يعلم عددهم إلا الله تعالى في وقت واحد أعجب من نفس البعث وهذا كقوله تعالى في سورة والصافات : { فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وٰحِدَةٌ } [ الصافات : 19 ] أي أنتم تستبعدون نفس البعث ، والأعجب من هذا أنه يبعثهم بزجرة واحدة أي صيحة واحدة : { فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } أي يبعثون مع زيادة أمر ، وهو فتح أعينهم ونظرهم ، بخلاف من نعس فإنه إذا انتبه يبقى ساعة ثم ينظر في الأشياء ، فأمر الإحياء عند الله تعالى أهون من تنبيه نائم خامسها : حرف { إِلَىٰ } أدل على البعث من اللام ، ولنذكر هذا في جواب سؤال هو أن الله تعالى قال : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ } [ التغابن : 9 ] وقال هنا : { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ولم يقل : لميقاتنا وقال : { وَلَمَّا جَاء مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا } [ التغابن : 143 ] نقول : لما كان ذكر الجمع جواباً للمنكرين المستبعدين ذكر كلمة { إِلَىٰ } الدالة على التحرك والانتقال لتكون أدل على فعل غير البعث ولا يجمع هناك قال : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ } ولا يفهم النشور من نفس الحرف وإن كان يفهم من الكلام ، ولهذا قال ههنا : { لَمَجْمُوعُونَ } بلفظ التأكيد ، وقال هناك : { يَجْمَعُكُمْ } وقال ههنا : { إِلَىٰ مِيقَـٰتِ } وهو مصير الوقت إليه ، وأما قوله تعالى : { فَلَمَّا جَآء مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا } فنقول : الموضع هناك لم يكن مطلوب موسى عليه السلام ، وإنما كان مطلوبه الحضور ، لأن من وقت له وقت وعين له موضع كانت حركته في الحقيقة لأمر بالتبع إلى أمر ، وأما هناك فالأمر الأعظم الوقوف في موضعه لا زمانه فقال بكلمة دلالتها على الموضع والمكان أظهر .