Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 57-59)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

دليلاً على كذبهم وصدق الرسل في الحشر لأن قوله : { ءَأنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } إلزام على الإقرار بأن الخالق في الابتداء هو الله تعالى ، ولما كان قادراً على الخلق أولاً كان قادراً على الخلق ثانياً ، ولا مجال للنظر في ذاته وصفاته تعالى وتقدس ، وإن لم يعترفوا به ، بل يشكون ويقولن : الخلق الأول من مني بحسب الطبيعة ، فنقول : المنى من الأمور الممكنة ولا وجود للممكن بذاته بل بالغير على ما عرف ، فيكون المنى من القادر القاهر ، وكذلك خلق الطبيعة وغيرها من الحادثات أيضاً ، فقال لهم : هل تشكون في أن الله خلقكم أولاً أم لا ؟ فإن قالوا : لا نشك في أنه خالقاً ، فيقال : فهل تصدقون أيضاً بخلقكم ثانياً ؟ فإن من خلقكم أولاً من لا شيء لا يعجز أن يخلقكم ثانياً من أجزاء هي عنده معلومة ، وإن كنتم تشكون وتقولون : الخلق لا يكون إلا من مني وبعد الموت لا والده ولا مني ، فيقال لهم : هذا المني أنتم تخلقونه أم الله ، فإن كنتم تعترفون بالله وبقدرته وإرادته وعمله ، فذلك يلزمكم القول بجواز الحشر وصحته ، ولولا كلمة مركبة من كلمتين معناها التحضيض والحث والأصل فيه : لم لا ، فإذا قلت : لم لا أكلت ولم ما أكلت ، جاز الاستفهامان ، فإن معناه لا علة لعدم الأكل ولا يمكنك أن تذكر علة له ، كما تقول : لم فعلت ؟ موبخاً ، يكون معناه فعلت أمراً لا سبب له ولا يمكنك ذكر سبب له ثم إنهم تركوا حرف الاستفهام عن العلة وأتوا بحرف الاستفهام عن الحكم ، فقالوا : هلا فعلت ؟ كما يقولون في موضع : لم فعلت هذا وأنت تعلم فساده ، أتفعل هذا وأنت عاقل ؟ وفيه زيادة حث لأن قول القائل : لم فعلت حقيقته سؤال عن العلة ، ومعناه أن علته غير معلومة وغير ظاهرة ، فلا يجوز ظهور وجوده ، وقوله : أفعلت ، سؤال عن حقيقته ، ومعناه أنه في جنسه غير ممكن ، والسائل عن العلة كأنه سلم الوجود وجعله معلوماً وسأل عن العلة كما يقول القائل : زيد جاء فلم جاء ، والسائل عن الوجود لم يسلمه ، وقول القائل : لم فعلت وأنت تعلم ما فيه دون قوله : أفعلت وأنت تعلم ما فيه ، لأن في الأول جعله كالمصيب في فعله لعلة خفية تطلب منه ، وفي الثاني جعله مخطئاً في أول الأمر ، وإذا علم ما بين لم فعلت ، وأفعلت ، علم ما بين لم تفعل وهلا تفعل ، وأما لولا فنقول : هي كلمة شرط في الأصل والجملة الشرطية غير مجزومة بها كما أن جملة الاستفهام غير مجزوم به لكن لولا تدل على الاعتساف وتزيد نفي النظر والتواني ، فيقول : لولا تصدقون ، بدل قوله : لم لا ، وهلا ، لأنه أدل على نفي ما دخلت عليه وهو عدم التصديق وفيه لطيفة : وهي أن لولا تدخل على فعل ماض على مستقبل قال تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ } [ التوبة : 122 ] فما وجه اختصاص المستقبل ههنا بالذكر وهلا قال : فلولا صدقتم ؟ نقول : هذا كلام معهم في الدنيا والإسلام فيها مقبول ويجب ما قبله فقال : لم لا تصدقون في ساعتكم ، والدلائل واضحة مستمر والفائدة حاصلة ، فأما في قوله : { فَلَوْلاَ نَفَرَ } لم تكن الفائدة تحصل إلا بعد مدة فقال : لو سافرتم لحصل لكم الفائدة في الحال وقد فات ذلك ، فإن كنتم لا تسافرون في الحال تفوتكم الفائدة أيضاً في الاستقبال ، ثم قال تعالى : { أَفَرَءيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ } من تقرير قوله تعالى : { نَحْنُ خَلَقْنَـٰكُمْ } وذلك لأنه تعالى لما قال : { نَحْنُ خَلَقْنَـٰكُمْ } قال الطبيعيون : نحن موجودون من نطف الخلق بجواهر كامنة وقبل كل واحد نطفة واحد فقال تعالى رداً عليهم : هل رأيتم هذا المني وأنه جسم ضعيف متشابه الصورة لا بد له من مكون ، فأنتم خلقتم النطفة أم غيركم خلقها ، ولا بد من الاعتراف بخالق غير مخلوق قطعاً للتسلسل الباطل وإلى ربنا المنتهى ، ولا يرتاب فيه أحد من أول ما خلق الله النطفة وصورها وأحياها ونورها فلم لا تصدقون أنه واحد أحد صمد قادر على الأشياء ، فإنه يعيدكم كما أنشأكم في الابتداء ، والاستفهام يفيد زيادة تقرير وقد علمت ذلك مراراً .