Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 7-7)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { آمنوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } اعلم أنه تعالى لما ذكر أنواعاً من الدلائل على التوحيد والعلم والقدرة ، أتبعها بالتكاليف ، وبدأ بالأمر بالإيمان ورسوله ، فإن قيل قوله : { ءَامَنُواْ } خطاب مع من عرف الله ، أو مع من لم يعرف الله ، فإن كان الأول كان ذلك أمراً بأن يعرفه من عرف ، فيكون ذلك أمراً بتحصيل الحاصل وهو محال ، وإن كان الثاني ، كان الخطاب متوجهاً على من لم يكن عارفاً به ، ومن لم يكن عارفاً به استحال أن يكون عارفاً بأمره ، فيكون الأمر متوجهاً على من يستحيل أن يعرف كونه مأموراً بذلك الأمر ، وهذا تكليف مالا يطاق والجواب : من الناس من قال : معرفة وجود الصانع حاصلة للكل ، وإنما المقصود من هذا الأمر معرفة الصفات . ثم قال تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لهم أجرٌ كبيرٌ } في هذه الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه أمر الناس أولاً بأن يشتغلوا بطاعة الله ، ثم أمرهم ثانياً بترك الدنيا والإعراض عنها وإنفاقها في سبيل الله ، كما قال : { قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ } [ الأنعام : 91 ] ، فقوله : { قُلِ ٱللَّهُ } هو المراد ههنا من قوله : { آمنوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } وقوله : { ثُمَّ ذَرْهُمْ } هو المراد ههنا من قوله : { وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } . المسألة الثانية : في الآية وجهان الأول : أن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها ، ثم إنه تعالى جعلها تحت يد المكلف ، وتحت تصرفه لينتفع بها على وفق إذن الشرع ، فالمكلف في تصرفه في هذه الأموال بمنزلة الوكيل والنائب والخليفة ، فوجب أن يسهل عليكم الإنفاق من تلك الأموال ، كما يسهل على الرجل النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه الثاني : أنه جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم ، لأجل أنه نقل أموالهم إليكم على سبيل الإرث ، فاعتبروا بحالهم ، فإنها كما انتقلت منهم إليكم فستنقل منكم إلى غيركم فلا تبخلوا بها . المسألة الثالثة : اختلفوا في هذا الإنفاق ، فقال بعضهم : هو الزكاة الواجبة ، وقال آخرون : بل يدخل فيه التطوع ، ولا يمتنع أن يكون عاماً في جميع وجوه البر ، ثم إنه تعالى ضمن لمن فعل ذلك أجراً كبيراً فقال : { فَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } قال القاضي : هذه الآية تدل على أن هذا الأجر لا يحصل بالإيمان المنفرد حتى ينضاف هذا الإنفاق إليه ، فمن هذا الوجه يدل على أن من أخل بالواجب من زكاة وغيرها فلا أجر له . واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف ، وذلك لأن الآية تدل على أن من أخل بالزكاة الواجبة لم يحصل له ذلك الأجر الكبير ، فلم قلتم : إنها تدل على أنه لا أجر له أصلاً .