Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

روي أن خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت أخي عبادة بن الصامت رآها زوجها وهي تصلي ، وكانت حسنة الجسم ، وكان بالرجل لمم ، فلما سلمت راودها ، فأبت ، فغضب ، وكان به خفة فظاهر منها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت : إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيَّ ، فلما خلا سني وكثر ولدي جعلني كأمه ، وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا ، ثم ههنا روايتان : يروي أنه عليه السلام قال لها : " " ما عندي في أمرك شيء " " وروي أنه عليه السلام قال لها : " " حرمت عليه " " فقالت : يا رسول الله ما ذكر طلاقاً ، وإنما هو أبو ولدي وأحب الناس إليَّ ، فقال : " " حرمت عليه " " فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي ، وكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " حرمت عليه " " هتفت وشكت إلى الله ، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، ثم إنه عليه الصلاة والسلام أرسل إلى زوجها ، وقال : " " ما حملك على ما صنعت ؟ " " فقال : الشيطان فهل من رخصة ؟ فقال : نعم ، وقرأ عليه الأربع آيات ، وقال له : " " هل تستطيع العتق ؟ " " فقال : لا والله ، فقال : " " هل تستطيع الصوم ؟ " " فقال : لا والله لولا أني آكل في اليوم مرة أو مرتين لكلَّ بصري ولظننت أني أموت ، فقال له : " " هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً ؟ " " فقال : لا والله يا رسول الله إلا أن تعينني منك بصدقة ، فأعانه بخمسة عشر صاعاً ، وأخرج أوس من عنده مثله فتصدق به على ستين مسكيناً » واعلم أن في هذا الخبر مباحث : الأول : قال أبو سليمان الخطابي : ليس المراد من قوله في هذا الخبر : وكان به لمم ، الخبل والجنون إذ لو كان به ذلك ثم ظاهر في تلك الحالة لم يكن يلزمه شيء ، بل معنى اللمم هنا : الإلمام بالنساء ، وشدة الحرص ، والتوقان إليهن . البحث الثاني : أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية ، لأنه في التحريم أوكد ما يمكن ، وإن كان ذلك الحكم صار مقرراً بالشرع كانت الآية ناسخة له ، وإلا لم يعد نسخاً ، لأن النسخ إنما يدخل في الشرائع لا في عادة الجاهلية ، لكن الذي روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لها : " " حرمت " " أو قال : " " ما أراك إلا قد حرمت " " كالدلالة على أنه كان شرعاً . وأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك . البحث الثالث : أن هذه الواقعة تدل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ، ولم يبق له في مهمه أحد سوى الخالق كفاه الله ذلك المهم ، ولنرجع إلى التفسير ، أماقوله : { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ } ففيه مسألتان : المسألة الأولى : قوله : { قَدْ } معناه التوقع ، لأن رسول الله والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله مجادلتها وشكواها ، وينزل في ذلك ما يفرج عنها . المسألة الثانية : كان حمزة يدغم الدال في السين من : { قَدْ سَمِعَ } وكذلك في نظائره ، واعلم أن الله تعالى حكى عن هذه المرأة أمرين أولهما : المجادلة وهي قوله : { تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا } أي تجادلك في شأن زوجها ، وتلك المجادلة أنه عليه الصلاة والسلام كلما قال لها : " " حرمت عليه " " قالت : والله ما ذكر طلاقاً وثانيهما : شكواها إلى الله ، وهو قولها : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي ، وقولها : إن لي صبية صغاراً ، ثم قال سبحانه : { وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما } والمحاورة المراجعة في الكلام ، من حار الشيء يحور حوراً ، أي رجع يرجع رجوعاً ، ومنها نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، ومنه فما أحار بكلمة ، أي فما أجاب ، ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أي يسمع كلام من يناديه ، ويبصر من يتضرع إليه .