Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 22-22)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المعنى أنه لا يجتمع الإيمان مع وداد أعداء الله ، وذلك لأن من أحب أحداً امتنع أن يحب مع ذلك عدوه وهذا على وجهين أحدهما : أنهما لا يجتمعان في القلب ، فإذا حصل في القلب وداد أعداء الله ، لم يحصل فيه الإيمان ، فيكون صاحبه منافقاً والثاني : أنهما يجتمعان ولكنه معصية وكبيرة ، وعلى هذا الوجه لا يكون صاحب هذا الوداد كافراً بسبب هذا الوداد ، بل كان عاصياً في الله ، فإن قيل : أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالطتهم ومعاشرتهم ، فما هذه المودة المحرمة المحظورة ؟ قلنا : المودة المحظورة هي إرادة منافسه ديناً ودنيا مع كونه كافراً ، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه ، ثم إنه تعالى بالغ في المنع من هذه المودة من وجوه أولها : ما ذكر أن هذه المودة مع الإيمان لا يجتمعان وثانيها : قوله : { وَلَوْ كَانُواْ ءابَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } والمراد أن الميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل ، ومع هذا فيجب أن يكون هذا الميل مغلوباً مطروحاً بسبب الدين ، قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وعمر بن لخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر ، وأبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " " متعنا بنفسك " " ومصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير ، وعلي بن أبي طالب وعبيدة قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يوم بدر ، أخبر أن هؤلاء لم يوادوا أقاربهم وعشائرهم غضباً لله ودينه وثالثها : أنه تعالى عدد نعمه على المؤمنين ، فبدأ بقوله : { أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلإيمَـٰنَ } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : المعنى أن من أنعم الله عليه بهذه النعمة العظيمة كيف يمكن أن يحصل في قلبه مودة أعداء الله ، واختلفوا في المراد من قوله : { كتـب } أما القاضي فذكر ثلاثة أوجه على وفق قول المعتزلة أحدها : جعل في قلوبهم علامة تعرف بها الملائكة ما هم عليه من الإخلاص وثانيها : المراد شرح صدورهم للإيمان بالألطاف والتوفيق وثالثها : قيل في : { كتـب } قضى أن قلوبهم بهذا الوصف ، واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة نسلمها للقاضي ونفرع عليها صحة قولنا ، فإن الذي قضى الله به أخبر عنه وكتبه في اللوح المحفوظ ، لو لم يقع لانقلب خبر الله الصدق كذباً وهذا محال ، والمؤدي إلى المحال محال ، وقال أبو علي الفارسي معناه : جمع ، والكتيبة : الجمع من الجيش ، والتقدير أولئك الذين جمع الله في قلوبهم الإيمان ، أي استكملوا فلم يكونوا ممن يقولون : { نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [ النساء : 150 ] ومتى كانوا كذلك امتنع أن يحصل في قلوبهم مودة الكفار ، وقال جمهور أصحابنا : { كتَـب } معناه أثبت وخلق ، وذلك لأن الإيمان لا يمكن كتبه ، فلا بد من حمله على الإيجاد والتكوين . المسألة الثانية : روى المفضل عن عاصم : { كتـب } على فعل مالم يسم فاعله ، والباقون : { كتـب } على إسناد الفعل إلى الفاعل والنعمة الثانية : قوله : { وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ } وفيه قولان : الأول : قال ابن عباس : نصرهم على عدوهم ، وسمى تلك النصرة روحاً لأن بها يحيا أمرهم والثاني : قال السدي : الضمير في قوله : { مِنْهُ } عائد إلى الإيمان والمعنى أيدهم بروح من الإيمان يدل عليه قوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] النعمة الثالثة : { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا } وهو إشارة إلى نعمة الجنة النعمة الرابعة : قوله تعالى : { رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } وهي نعمة الرضوان ، وهي أعظم النعم وأجل المراتب ، ثم لما عدد هذه النعم ذكر الأمر الرابع من الأمور التي توجب ترك الموادة مع أعداء الله فقال : { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلآَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } وهو في مقابلة قوله فيهم : { أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَـٰنِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَـٰنِ هُمُ الخَـٰسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] . واعلم أن الأكثرين اتفقوا على أن قوله : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد فتح مكة ، وتلك القصة معروفة وبالجملة فالآية زجر عن التودد إلى الكفار والفساق . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " " اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة فإني وجدت فيما أوحيت { لاَّ تَجِدُ قَوْماً } إلى آخره " " والله سبحانه وتعالى أعلم . والحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على سيد المرسلين وخاتم النبيين ، سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين .