Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 58, Ayat: 7-7)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالماً بكل المعلومات فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } . قال ابن عباس : { أَلَمْ تَرَ } أي ألم تعلم وأقول هذا حق لأن كونه تعالى عالماً بالأشياء لا يرى ، ولكنه معلوم بواسطة الدلائل ، وإنما أطلق لفظ الرؤية على هذا العلم ، لأن الدليل على كونه عالماً ، هو أن أفعاله محكمة متقنة منتسقة منتظمة ، وكل من كانت أفعاله كذلك فهو عالم . أما المقدمة الأولى : فمحسوسة مشاهدة في عجائب السموات والأرض ، وتركيبات النبات والحيوان . أما المقدمة الثانية : فبديهية ، ولما كان الدليل الدال على كونه تعالى كذلك ظاهراً لا جرم بلغ هذا العلم والاستدلال إلى أعلى درجات الظهور والجلاء ، صار جارياً مجرى المحسوس المشاهد ، فلذلك أطلق لفظ الرؤية فقال : { أَلَمْ تَرَ } وأما أنه تعالى عالم بجميع المعلومات ، فلأن علمه علم قديم ، فلو تعلق بالبعض دون البعض من أن جميع المعلومات مشتركة في صحة المعلومية لافتقر ذلك العلم في ذلك التخصيص إلى مخصص ، وهو على الله تعالى محال ، فلا جرم وجب كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات ، واعلم أنه سبحانه قال : { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ولم يقل : يعلم ما في الأرض وما في السموات وفي رعاية هذا الترتيب سر عجيب . ثم إنه تعالى خص ما يكون من العباد من النجوى فقال : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ } . وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال ابن جني : قرأ أبو حيوة { مَا تَكُون مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } بالتاء ثم قال والتذكير الذي عليه العامة هو الوجه ، لما هناك من الشياع وعموم الجنسية ، كقولك : ما جاءني من امرأة ، وما حضرني من جارية ، ولأنه وقع الفاصل بين الفاعل والمفعول ، وهو كلمة من ، ولأن النجوى تأنيثه ليس تأنيثاً حقيقياً ، وأما التأنيث فلأن تقدير الآية : ما تكون نجوى ، كما يقال : ما قامت امرأة وما حضرت جارية . المسألة الثانية : قوله : { مَّا يَكُونُ } من كان التامة ، أي ما يوجد ولا يحصل من نجوى ثلاثة . المسألة الثالثة : النجوى التناجي وهو مصدر ، ومنه قوله تعالى : { لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } [ النساء : 114 ] وقال الزجاج : النجوى مشتق من النجوة ، وهي ما ارتفع ونجا ، فالكلام المذكور سراً لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة ، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير ، ويجوز أيضاً أن تجعل النجوى وصفاً ، فيقال : قوم نجوى ، وقوله تعالى : { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [ الإسراء : 47 ] والمعنى ، هم ذوو نجوى ، فحذف المضاف ، وكذلك كل مصدر وصف به . المسألة الرابعة : جر ثلاثة في قوله : { مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون مجروراً بالإضافة والثاني : أن يكون النجوى بمعنى المتناجين ، ويكون التقدير : ما يكون من متناجين ثلاثة فيكون صفة . المسألة الخامسة : قرأ ابن أبي عبلة ثلاثة و خمسة بالنصب على الحال ، بإضمار يتناجون لأن نجوى يدل عليه . المسألة السادسة : أنه تعالى ذكر الثلاثة والخمسة ، وأهمل أمر الأربعة في البين ، وذكروا فيه وجوهاً : أحدها : أن هذا إشارة إلى كمال الرحمة ، وذلك لأن الثلاثة إذا اجتمعوا ، فإذا أخذ إثنان في التناجي والمشاورة ، بقي الواحد ضائعاً وحيداً ، فيضيق قلبه فيقول الله تعالى : أنا جليسك وأنيسك ، وكذا الخمسة إذا اجتمعوا بقي الخامس وحيداً فريداً ، أما إذا كانوا أربعة لم يبق واحد منهم فريداً ، فهذا إشارة إلى أن كل من انقطع عن الخلق ما يتركه الله تعالى ضائعاً وثانيها : أن العدد الفرد أشرف من الزوج ، لأن الله وتر يحب الوتر ، فخص الأعداد الفرد بالذكر تنبيهاً على أنه لا بد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور وثالثها : أن أقل مالا بد منه في المشاورة التي يكون الغرض منها تمهيد مصلحة ثلاثة ، حتى يكون الإثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات ، والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما ، فحينئذ تكمل تلك المشورة ويتم ذلك الغرض ، وهكذا في كل جمع اجتمعوا للمشاورة ، فلا بد فيهم من واحد يكون حكماً مقبول القول ، فلهذا السبب لا بد وأن تكون أرباب المشاورة عددهم فرداً ، فذكر سبحانه الفردين الأولين واكتفى بذكرهما تنبيهاً على الباقي ورابعها : أن الآية نزلت في قوم من المنافقين ، اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين ، وكانوا على هذين العددين ، قال ابن عباس نزلت هذه الآية في ربيعة وحبيب ابني عمرو ، وصفوان بن أمية ، كانوا يوماً يتحدثون ، فقال أحدهم : هل يعلم الله ما تقول ؟ وقال الثاني : يعلم البعض دون البعض ، وقال الثالث : إن كان يعلم البعض فيعلم الكل وخامسها : أن في مصحف عبدالله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا الله رابعهم ، ولا أربعة إلا الله خامسهم ، ولا خمسة إلا الله سادسهم ، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا أخذوا في التناجي . المسألة السابعة : قرىء : { وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ } بالنصب على أن لا لنفي الجنس ، ويجوز أن يكون { وَلاَ أَكْثَرَ } بالرفع معطوفاً على محل لا مع أدنى ، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله ، بفتح الحول ورفع القوة والثالث : يجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء ، كقولك : لا حول ولا قوة إلا بالله والرابع : أن يكون ارتفاعهما عطفاً على محل { مِن نَّجْوَىٰ } كأنه قيل : ما يكون أدنى ولا أكثر إلا هو معهم ، والخامس : يجوز أن يكونا مجرورين عطفاً على { نَجْوَىٰ } كأنه قيل : ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم . المسألة الثامنة : قرىء : { وَلا أَكْبَرَ } بالباء المنقطعة من تحت . المسألة التاسعة : المراد من كونه تعالى رابعاً لهم ، والمراد من كونه تعالى معهم كونه تعالى عالماً بكلامهم وضميرهم وسرهم وعلنهم ، وكأنه تعالى حاضر معهم ومشاهد لهم ، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة . المسألة العاشرة : قرأ بعضهم : { ثُمَّ يُنَبِّئُهُم } بسكون النون ، وأنبأ ونبأ واحد في المعنى ، وقوله : { ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي يحاسب على ذلك ويجازي على قدر الاستحقاق ، ثم قال : { أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وهو تحذير من المعاصي وترغيب في الطاعات .