Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 9-9)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمراد من الدار المدينة وهي دار الهجرة تبوأها الأنصار قبل المهاجرين وتقدير الآية : والذين تبوءوا المدينة والإيمان من قبلهم فإن قيل : في الآية سؤالان أحدهما : أنه لا يقال : تبوأ الإيمان والثاني : بتقدير أن يقال : ذلك لكن الأنصار ما تبوءوا الإيمان قبل المهاجرين والجواب عن الأول من وجوه أحدها : تبوءوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله : @ ولقد رأيتك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحاً @@ وثانيها : جعلوا الإيمان مستقراً ووطناً لهم لتمكنهم منه واستقامتهم عليه ، كما أنهم لما سألوا سلمان عن نسبه فقال : أنا ابن الإسلام وثالثها : أنه سمى المدينة بالإيمان ، لأن فيها ظهر الإيمان وقوي والجواب : عن السؤال الثاني من وجهين الأول : أن الكلام على التقديم والتأخير ، والتقدير : والذين تبوءوا الدار من قبلهم والإيمان والثاني : أنه على تقدير حذف المضاف والتقدير : تبوءوا الدار والإيمان من قبل هجرتهم ، ثم قال : { وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُواْ } وقال الحسن : أي حسداً وحرارة وغيظاً مما أوتي المهاجرون من دونهم ، وأطلق لفظ الحاجة على الحسد والغيظ والحرارة ، لأن هذه الأشياء لا تنفك عن الحاجة ، فأطلق اسم اللام على الملزوم على سبيل الكناية ، ثم قال : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } يقال : آثره بكذا إذا خصه به ، ومفعول الإيثار محذوف ، والتقدير : ويؤثرونهم بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم . عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار : " " إن شئتم قسمتم للمهاجرين من دوركم وأموالكم وقسمت لكم من الغنيمة كما قسمت لهم وإن شئتم كان لهم الغنيمة ولكم دياركم وأموالكم " " فقالوا : لا بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ولا نشاركهم في الغنيمة » فأنزل الله تعالى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } فبين أن هذا الإيثار ليس عن غنى عن المال ، ولكنه عن حاجة وخصاصة وهي الفقر ، وأصلها من الخصاص وهي الفرج ، وكل خرق في منخل أو باب أو سحاب أو برقع فهي خصاص ، الواحد خصاصة ، وذكر المفسرون أنواعاً من إيثار الأنصار للضيف بالطعام وتعللهم عنه حتى يشبع الضيف ، ثم ذكروا أن الآية نزلت في ذلك الإيثار ، والصحيح أنها نزلت بسبب إيثارهم المهاجرين بالفيء ، ثم لا يمتنع أن يدخل فيها سائر الإيثارات ، ثم قال : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الشح بالضم والكسر ، وقد قرىء بهما . واعلم أن الفرق بين الشح والبخل هو أن البخل نفس المنع ، والشح هو الحالة النفسانية التي تقتضي ذلك المنع ، فلما كان الشح من صفات النفس ، لا جرم قال تعالى : { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الظافرون بما أرادوا ، قال ابن زيد : من لم يأخذ شيئاً نهاه الله عن أخذه ولم يمنع شيئاً أمره الله بإعطائه فقد وقى شح نفسه .