Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 119-119)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ نافع وحفص عن عاصم { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } بالفتح في الحرفين ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالضم في الحرفين ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم { فَصَّلَ } بالفتح { وَحَرَّمَ } بالضم ، فمن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين : الأول : أنه تمسك في فتح قوله : { فَصَّلَ } بقوله : { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ } [ الأنعام : 97 ، 98 ، 126 ] وفي فتح قوله : { حَرَّمَ } بقوله : { أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } [ الأنعام : 151 ] . والوجه الثاني : التمسك بقوله : { مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فيجب أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى ، وأما الذين قرؤا بالضم في الحرفين فحجتهم قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } [ المائدة : 3 ] وقوله : { حُرّمَـٰت } تفصيل لما أجمل في هذه الآية ، فلما وجب في التفصيل أن يقال : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال كذلك وهو قوله : { مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } ولما ثبت وجوب { حَرَّمَ } بضم الحاء فكذلك يجب { فَصَّلَ } بضم الفاء لأن هذا المفصل هو ذلك المحرم المجمل بعينه . وأيضاً فإنه تعالى قال : { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً } [ الأنعام : 114 ] وقوله : { مُفَصَّلاً } يدل على فصل . وأما من قرأ { فَصَّلَ } بالفتح وحرم بالضم فحجته في قوله : { فَصَّلَ } قوله : { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ } وفي قوله : { حَرَّمَ } قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } . المسألة الثانية : قوله : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } أكثر المفسرين قالوا : المراد منه قوله تعالى في أول سورة المائدة : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } وفيه إشكال : وهو أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية ، وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة . وقوله : { وَقَدْ فَصَّلَ } يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدماً على هذا المجمل ، والمدني متأخر عن المكي ، والمتأخر يمتنع كونه متقدماً . بل الأولى أن يقال المراد قوله بعد هذه الآية : { قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يطعمه } [ الأنعام : 145 ] . وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من التأخير لا يمنع أن يكون هو المراد والله أعلم . وقوله : { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة . ثم قال : { وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن كثير وأبو عمرو { لَّيُضِلُّونَ } بفتح الياء وكذلك في يونس { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ } [ يونس : 88 ] وفي إبراهيم { لِيُضِلُّواْ } [ إبراهيم : 30 ] وفي الحج { ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ } [ الحج : 9 ] وفي لقمان { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ } [ لقمان : 6 ] وفي الزمر { أَندَاداً لّيُضِلَّ } [ الزمر : 8 ] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جميع ذلك بضم الياء . وقرأ نافع وابن عامر ههنا وفي يونس بفتح الياء ، وفي سائر المواضع بالضم ، فمن قرأ بالفتح أشار إلى كونه ضالاً ، ومن قرأ بالضم أشار إلى كونه مضلاً . قال : وهذا أقوى في الذم لأن كل مضل فإنه يجب كونه ضالاً ، وقد يكون ضالاً ولا يكون مضلاً ، فالمضل أكثر استحقاقاً للذم من الضال . المسألة الثانية : المراد من قوله : { لَّيُضِلُّونَ } قيل إنه عمرو بن لحي ، فمن دونه من المشركين . لأنه أول من غير دين إسمعيل واتخذ البحائر والسوائب وأكل الميتة . وقوله : { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يريد أن عمرو بن لحي أقدم على هذه المذاهب عن الجهالة الصرفة والضلالة المحضة . وقال الزجاج : المراد منه الذين يحللون الميتة ويناظرونكم في إحلالها ، ويحتجون عليها بقولهم لما حل ما تذبحونه أنتم فبأن يحل ما يذبحه الله أولى . وكذلك كل ما يضلون فيه من عبادة الأوثان والطعن في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام فإنما يتبعون فيه الهوى والشهوة ، ولا بصيرة عندهم ولا علم . المسألة الثالثة : دلت هذه الآية على أن القول في الدين بمجرد التقليد حرام ، لأن القول بالتقليد قول بمحض الهوى والشهوة ، والآية دلت على أن ذلك حرام . ثم قال تعالى : { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ } والمراد منه أنه هو العالم بما في قلوبهم وضمائرهم من التعدي وطلب نصرة الباطل والسعي في إخفاء الحق ، وإذا كان عالماً بأحوالهم وكان قادراً على مجازاتهم فهو تعالى يجازيهم عليها ، والمقصود من هذه الكلمة التهديد والتخويف . والله أعلم .