Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 35-35)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش ، فقالوا : يا محمد ائتنا من عند الله كما كانت الأنبياء تفعل فانا نصدق بك فأبى الله أن يأتيهم بها فأعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه ، فنزلت هذه الآية ، والمعنى ، وإن كان كبر عليك إعراضهم عن الإيمان بك ، وصحة القرآن ، فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فافعل . فالجواب محذوف وحسن هذا الحذف لأنه معلوم في النفوس . والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان آخر ، ومنه نافقاء اليربوع لأن اليربوع يثقب الأرض إلى القعر ، ثم يصعد من ذلك القعر إلى وجه الأرض من جانب آخر ، فكأنه ينفق الأرض نفقاً ، أي يجعل له منفذاً من جانب آخر . ومنه أيضاً سمي المنافق منافقاً لأنه يضمر غير ما يظهر كالنافقاء الذي يتخذه اليربوع وأما السلم فهو مشتق من السلامة ، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك ، والمقصود من هذا الكلام أن يقطع الرسول طمعه عن إيمانهم ، وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان وإقبالهم على الكفر . المسألة الثانية : قوله تعالى : { وَلَوْ شَآءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهُدَى } تقديره : ولو شاء الله هداهم لجمعهم على الهدى وحيثما جمعهم على الهدى ، وجب أن يقال : إنه ما شاء هداهم ، وذلك يدل على أنه تعالى لا يريد الإيمان من الكافر بل يريد إبقاءه على الكفر ، والذي يقرب هذا الظاهر أن قدرة الكافر على الكفر إما أن تكون صالحة للإيمان ، أو غير صالحة له ، فإن لم تكن صالحة له فالقدرة على الكفر مستلزمة للكفر ، وغير صالحة للإيمان ، فخالق هذه القدرة يكون قد أراد هذا الكفر منه لا محالة ، وأما إن كانت هذه القدرة ، كما أنها صلحت للكفر فهي أيضاً صالحة للإيمان ، فلما استوت نسبة القدرة إلى الطرفين امتنع رجحان أحد الطرفين على الآخر ، إلا لداعية مرجحة ، وحصول تلك الداعية ليس من العبد ، وإلا وقع التسلسل ، فثبت أن خالق تلك الداعية هو الله تعالى ، وثبت أن مجموع القدرة مع الداعية الحاصلة موجب للفعل ، فثبت أن خالق مجموع تلك القدرة مع تلك الداعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر ، وغير مريد لذلك الإيمان . فهذا البرهان اليقيني قوي ظاهر بهذه الآية ، ولا بيان أقوى من أن يتطابق البرهان مع ظاهر القرآن . قالت المعتزلة : المراد ولو شاء الله أن يلجئهم إلى الإيمان لجمعهم عليه . قال القاضي : والالجاء هو أن يعلمهم أنهم لو حاولوا غير الإيمان لمنعهم منه ، وحينئذٍ يمتنعون من فعل شيء غير الإيمان . ومثاله : أن أحدنا لو حصل بحضرة السلطان وحضر هناك من حشمه الجمع العظيم ، وهذا الرجل علم أنه لو هم بقتل ذلك السلطان لقتلوه في الحال ، فإن هذا العلم يصير مانعاً له من قصد قتلك ذلك السلطان ، ويكون ذلك سبباً لكونه ملجأ إلى ترك ذلك الفعل فكذا ههنا . إذا عرفت الالجاء فنقول : إنه تعالى إنما ترك فعل هذا الالجاء لأن ذلك يزيل تكليفهم فيكون ما يقع منهم كأن لم يقع ، وإنما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة إلى الثواب ، وذلك لا يكون إلا اختياراً . والجواب : أنه تعالى أراد منهم الاقدام على الإيمان حال كون الداعي إلى الإيمان وإلى الكفر على السوية أو حال حصول هذا الرجحان . والأول : تكليف ما لا يطاق ، لأن الأمر بتحصيل الرجحان حال حصول الاستواء ، تكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال ، وإن كان الثاني : فالطرف الراجح يكون واجب الوقوع ، والطرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع ، وكل هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة والاختيار ، فسقط قولهم بالكلية . والله أعلم . المسألة الثالثة : قوله تعالى في آخر الآية { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } نهي له عن هذه الحالة ، وهذا النهي لا يقتضي إقدامه على مثل هذه الحالة كما أن قوله { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَـٰفِرِينَ وَٱلْمُنَـٰفِقِينَ } [ الأحزاب : 48 ] لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم أطاعهم وقبل دينهم ، والمقصود أنه لا ينبغي أن يشتد تحسرك على تكذيبهم ، ولا يجوز أن تجزع من إعراضهم عنك فإنك لو فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل ، والمقصود من تغليظ الخطاب التبعيد والزجر له عن مثل هذه الحالة . والله أعلم .