Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 39-39)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : في وجه النظم قولان : الأول : أنه تعالى بين من حال الكفار أنهم بلغوا في الكفر إلى حيث كأن قلوبهم قد صارت ميتة عن قبول الإيمان بقوله { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 36 ] فذكر هذه الآية تقريراً لذلك المعنى الثاني أنه تعالى لما ذكر في قوله { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } [ الأنعام : 38 ] في كونها دالة على كونها تحت تدبير مدبر قديم وتحت تقدير مقدر حكيم ، وفي أن عناية الله محيطة بهم ، ورحمته واصلة إليهم ، قال بعده والمكذبون لهذه الدلائل والمنكرون لهذه العجائب صم لا يسمعون كلاماً ألبتة ، بكم لا ينطقون بالحق ، خائضون في ظلمات الكفر ، غافلون عن تأمل هذه الدلائل . المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الهدى والضلال ليس إلا من الله تعالى . وتقريره أنه تعالى وصفهم بكونهم صماً وبكماً وبكونهم في الظلمات وهو إشارة إلى كونهم عمياً فهو بعينه نظير قوله في سورة البقرة { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } [ البقرة : 18 ] . ثم قال تعالى : { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو صريح في أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى . قالت المعتزلة : الجواب عن هذا من وجوه : الوجه الأول : قال الجبائي معناه أنه تعالى يجعلهم صماً وبكماً يوم القيامة عند الحشر . ويكونون كذلك في الحقيقة بأن يجعلهم في الآخرة صماً وبكماً في الظلمات ، ويضلهم بذلك عن الجنة وعن طريقها ويصيرهم إلى النار ، وأكد القاضي هذا القول بأنه تعالى بين في سائر الآيات أنه يحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم . والوجه الثاني : قال الجبائي أيضاً ويحتمل أنهم كذلك في الدنيا ، فيكون توسعاً من حيث جعلوا بتكذيبهم بآيات الله تعالى في الظلمات لا يهتدون إلى منافع الدين ، كالصم والبكم الذين لا يهتدون إلى منافع الدنيا . فشبههم من هذا الوجه بهم ، وأجرى عليهم مثل صفاتهم على سبيل التشبيه . والوجه الثالث : قال الكعبي قوله { صُمٌّ وَبُكْمٌ } محمول على الشتم والإهانة ، لا على أنهم كانوا كذلك في الحقيقة . وأما قوله تعالى : { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } فقال الكعبي : ليس هذا على سبيل المجاز لأنه تعالى وإن أجمل القول فيه هٰهنا ، فقد فصله في سائر الآيات وهو قوله { وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ إبراهيم : 27 ] وقوله { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [ البقرة : 26 ] وقوله { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد : 17 ] وقوله { يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } [ المائدة : 16 ] وقوله { يُثَبّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [ إبراهيم : 27 ] وقوله { وَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سبلنا } [ العنكبوت : 69 ] فثبت بهذه الآيات أن مشيئة الهدى والضلال وإن كانت مجملة في هذه الآية ، إلا أنها مخصصة مفصلة في سائر الآيات ، فيجب حمل هذا المجمل على تلك المفصلات ، ثم إن المعتزلة ذكروا تأويل هذه الآية على سبيل التفصيل من وجوه : الأول : أن المراد من قوله { ٱلظُّلُمَـٰتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } محمول على منع الألطاف فصاروا عندها كالصم والبكم . والثاني : { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ } يوم القيامة عن طريق الجنة وعن وجدان الثواب ، ومن يشأ أن يهديه إلى الجنة يجعله على صراط مستقيم ، وهو الصراط الذي يسلكه المؤمنون إلى الجنة . وقد ثبت بالدليل أنه تعالى لا يشاء هذا الاضلال إلا لمن يستحق عقوبة كما لا يشاء الهدى إلا للمؤمنين . وأعلم أن هذه الوجوه التي تكلفها هؤلاء الأقوام إنما يحسن المصير إليها لو ثبت في العقل أنه لا يمكن حمل هذا الكلام على ظاهره . وأما لما ثبت بالدليل العقلي القاطع أنه لا يمكن حمل هذا الكلام إلا على ظاهره كان العدول إلى هذه الوجوه المتكلفة بعيداً جداً ، وقد دللنا على أن الفعل لا يحصل إلا عند حصول الداعي ، وبينا أن خالق ذلك الداعي هو الله ، وبينا أن عند حصوله يجب الفعل ، فهذه المقدمات الثلاثة توجب القطع بأن الكفر والإيمان من الله ، وبتخليقه وتقديره وتكوينه ، ومتى ثبت بهذا البرهان القاطع صحة هذا الظاهر ، كان الذهاب إلى هذه التكلفات فاسداً قطعاً ، وأيضاً فقد تتبعنا هذه الوجوه بالابطال والنقض في تفسير قوله { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [ البقرة : 7 ] وفي سائر الآيات ، فلا حاجة إلى الإعادة ، وأقربها أن هذا الاضلال والهداية معلقان بالمشيئة ، وعلى ما قالوه : فهو أمر واجب على الله تعالى يجب عليه أن يفعله شاء أم أبى والله أعلم . المسألة الثالثة : قوله : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } اختلفوا في المراد بتلك الآيات ، فمنهم من قال : القرآن ومحمد ، ومنهم من قال : يتناول جميع الدلائل والحجج ، وهذا هو الأصح . والله أعلم .