Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 42-43)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى بين في الآية الأولى أن الكفار عند نزول الشدائد يرجعون إلى الله تعالى ، ثم بين في هذه الآية أنهم لا يرجعون إلى الله عند كل ما كان من جنس الشدائد ، بل قد يبقون مصرين على الكفر منجمدين عليه غير راجعين إلى الله تعالى ، وذلك يدل على مذهبنا من أن الله تعالى إذا لم يهده لم يهتد ، سواء شاهد الآيات الهائلة ، أو لم يشاهدها ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : في الآية محذوف والتقدير : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلاً فخالفوهم فأخذناهم بالبأساء والضراء ، وحسن الحذف لكونه مفهوماً من الكلام المذكور . وقال الحسن البأساء شدة الفقر من البؤس والضراء الأمراض والأوجاع . ثم قال : { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } والمعنى : إنما أرسلنا الرسل إليهم وإنما سلطنا البأساء والضراء عليهم لأجل أن يتضرعوا . ومعنى التضرع التخشع وهو عبارة عن الانقياد وترك التمرد ، وأصله من الضراعة وهي الذلة ، يقال ضرع الرجل يضرع ضراعة فهو ضارع أي ذليل ضعيف ، والمعنى أنه تعالى أعلم نبيه أنه قد أرسل قبله إلى أقوام بلغوا في القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم وأموالهم فلم يخضعوا ولم يتضرعوا ، والمقصود منه التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : أليس قوله { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ } يدل على أنهم تضرعوا ؟ وههنا يقول : قست قلوبهم ولم يتضرعوا . قلنا : أولئك أقوام ، وهؤلاء أقوام آخرون . أو نقول أولئك تضرعوا لطلب إزالة البلية ولم يتضرعوا على سبيل الاخلاص لله تعالى فلهذا الفرق حسن النفي والاثبات . ثم قال تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } معناه نفي التضرع . والتقدير فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا . وذكر كلمة لولا يفيد أنه ما كان لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوتهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم والله أعلم . المسألة الثانية : احتج الجبائي بقوله { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } فقال : هذا يدل على أنه تعالى إنما أرسل الرسل إليهم ، وإنما سلّط البأساء والضرّاء عليهم ، لإرادة أن يتضرعوا ويؤمنوا ، وذلك يدل على أنه تعالى أراد الإيمان والطاعة من الكل . والجواب : أن كلمة لعل تفيد الترجي والتمني وذلك في حق الله تعالى محال وأنتم حملتموه على إرادة هذا المطلوب ، ونحن نحمله على أنه تعالى عاملهم معاملة لو صدرت عن غير الله تعالى لكان المقصود منه هذا المعنى ، فأما تعليل حكم الله تعالى ومشيئته فذلك محال على ما ثبت بالدليل . ثم نقول إن دلت هذه الآية على قولكم من هذا الوجه فإنها تدل على ضد قولكم من وجه آخر ، وذلك لأنها تدل على أنهم لم يتضرعوا لقسوة قلوبهم ولأجل أن الشيطان زين لهم أعمالهم . فنقول : تلك القسوة إن حصلت بفعلهم احتاجوا في إيجادها إلى سبب آخر ولزم التسلسل ، وإن حصلت بفعل الله فالقول قولنا ، وأيضاً هب أن الكفار إنما أقدموا على هذا الفعل القبيح بسبب تزيين الشيطان ، إلا أن نقول : ولم بقي الشيطان مصراً على هذا الفعل القبيح ؟ فإن كان ذلك لأجل شيطان آخر تسلسل إلى غير النهاية ، وإن بطلت هذه المقادير انتهت بالآخرة إلى أن كل أحد إنما يقدم تارة على الخير وأخرى على الشر ، لأجل الدواعي التي تحصل في قلبه ، ثم ثبت أن تلك الدواعي لا تحصل إلا بإيجاد الله تعالى فحينئذ يصح قولنا ويفسد بالكلية قولهم ، والله أعلم .