Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 47-47)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصاً بأخذ السمع والبصر والقلب وهذا عام في جميع أنواع العذاب ، والمعنى : أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا الله سبحانه ، ولا محصل لخير من الخيرات إلا الله سبحانه ، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره . فإن قيل : ما المراد بقوله { بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً } قلنا العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة . فالأول : هو البغتة . والثاني : هو الجهرة . والأول سماه الله تعالى بالبغتة ، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة ، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه . وعن الحسن أنه قال : { بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً } معناه ليلاً أو نهاراً . وقال القاضي : يجب حمل هذا الكلام على ما تقدم ذكره لأنه لو جاءهم ذلك العذاب ليلاً وقد عاينوا مقدمته ، لم يكن بغتة ولو جاءهم نهاراً وهم لا يشعرون بمقدمته لم يكن جهرة . فأما إذا حملناه على الوجه الذي تقدم ذكره ، استقام الكلام . فإن قيل : فما المراد بقوله { هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } مع علمكم بأن العذاب إذا نزل لم يحصل فيه التمييز . قلنا : إن الهلاك وإن عم الأبرار والأشرار في الظاهر ، إلا أن الهلاك في الحقيقة مختص بالظالمين الشريرين ، لأن الأخيار يستوجبون بسبب نزول تلك المضار بهم أنواعاً عظيمة من الثواب والدرجات الرفيعة عند الله تعالى ، فذاك وإن كان بلاء في الظاهر ، إلا أنه يوجب سعادات عظيمة ؟ أما الظالمون فإذا نزل البلاء بهم فقد خسروا الدنيا والآخرة معاً ، فلذلك وصفهم الله تعالى بكونهم هالكين وذلك تنبيه على أن المؤمن التقي النقي هو السعيد ، سواء كان في البلاء أو في الآلاء والنعماء وأن الفاسق الكافر هو الشقي ، كيف دارت قضيته واختلفت أحواله ، والله أعلم .