Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 51-51)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما وصف الرسل بكونهم مبشرين ومنذرين ، أمر الرسول في هذه الآية بالانذار فقال : { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : الإنذار الاعلام بموضع المخافة وقوله { بِهِ } قال ابن عباس والزجاج بالقرآن . والدليل عليه قوله تعالى قبل هذه الآية { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } [ الأنعام : 50 ] وقال الضحاك { وَأَنذِرْ بِهِ } أي بالله ، والأول أولى ، لأن الانذار والتخويف إنما يقع بالقول وبالكلام لا بذات الله تعالى . وأما قوله { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } ففيه أقوال : الأول : أنهم الكافرون الذين تقدم ذكرهم ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يخوفهم من عذاب الآخرة ، وقد كان بعضهم يتأثر من ذلك التخويف ، ويقع في قلبه أنه ربما كان الذي يقوله محمد حقاً ، فثبت أن هذا الكلام لائق بهؤلاء ، لا يجوز حمله على المؤمنين لأن المؤمنين يعلمون أنهم يحشرون إلى ربهم ، والعلم خلاف الخوف والظن . ولقائل أن يقول : إنه لا يمتنع أن يدخل فيه المؤمنون ، لأنهم وإن تيقنوا الحشر فلم يتيقنوا العذاب الذي يخاف منه ، لتجويزهم أن يموت أحدهم على الإيمان والعمل الصالح وتجويز أن لا يموتوا على هذه الحالة ، فلهذا السبب كانوا خائفين من الحشر ، بسبب أنهم كانوا مجوزين لحصول العذاب وخائفين منه . والقول الثاني : أن المراد منه المؤمنون لأنهم هم الذين يقرون بصحة الحشر والنشر والبعث والقيامة فهم الذين يخافون من عذاب ذلك اليوم . والقول الثالث : أنه يتناول الكل لأن لا عاقل إلا وهو يخاف الحشر ، سواء قطع بحصوله أو كان شاكاً فيه لأنه بالاتفاق غير معلوم البطلان بالضرورة فكان هذا الخوف قائماً في حق الكل ولأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى الكل ، وكان مأموراً بالتبليغ إلى الكل ، وخص في هذه الآية الذين يخافون الحشر ، لأن انتفاعهم بذلك الانذار أكمل ، بسبب أن خوفهم يحملهم على إعداد الزاد ليوم المعاد . المسألة الثانية : المجسمة تمسكوا بقوله تعالى : { أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } وهذا يقتضي كون الله تعالى مختصاً بمكان وجهة لأن كلمة إلى لانتهاء الغاية . والجواب : المراد إلى المكان الذي جعله ربهم لاجتماعهم وللقضاء عليهم . المسألة الثالثة : قوله { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } قال الزجاج : موضع { لَّيْسَ } نصب على الحال كأنه قيل : متخلين من ولي ولا شفيع ، والعامل فيه يخافون . ثم ههنا بحث : وذلك لأنه إن كان المراد من { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَىٰ رَبّهِمْ } الكفار ، فالكلام ظاهر ، لأنهم ليس لهم عند الله شفعاء ، وذلك لأن اليهود والنصارى كانوا يقولون : { نَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] والله كذبهم فيه وذكر أيضاً في آية أخرى فقال { مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] وقال أيضاً { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِينَ } [ المدثر : 48 ] وإن كان المراد المسلمين ، فنقول : قوله { لَيْسَ لَهُمْ مّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } لا ينافي مذهبنا في إثبات الشفاعة للمؤمنين لأن شفاعة الملائكة والرسل للمؤمنين ، إنما تكون بإذن الله تعالى لقوله { مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] فلما كانت تلك الشفاعة بإذن الله ، كانت في الحقيقة من الله تعالى . المسألة الرابعة : قوله { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } قال ابن عباس : معناه وأنذرهم لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي . قالت المعتزلة : وهذا يدل على أنه تعالى أراد من الكفار التقوى والطاعة ، والكلام على هذا النوع من الاستدلال قد سبق مراراً .