Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 63-64)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن هذا نوع آخر من الدلائل الدالة على كمال القدرة الإلهية ، وكمال الرحمة والفضل والإحسان . وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ عاصم وحمزة والكسائي { قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ } بالتشديد في الكلمتين ، والباقون بالتخفيف . قال الواحدي : والتشديد والتخفيف لغتان منقولتان من نجا ، فإن شئت نقلت بالهمزة ، وإن شئت نقلت بتضعيف العين : مثل : أفرحته وفرحته ، وأغرمته وغرمته ، وفي القرآن { فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } [ الأعراف : 72 ] وفي آية أخرى { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } [ فصلت : 18 ] ولما جاء التنزيل باللغتين معاً ظهر استواء القراءتين في الحسن ، غير أن الاختيار التشديد ، لأن ذلك من الله كان غير مرة ، وأيضاً قرأ عاصم في رواية أبي بكر خفية بكسر الخاء والباقون بالضم ، وهما لغتان ، وعلى هذا الاختلاف في سورة الأعراف ، وعن الأخفش في خفية وخفية أنهما لغتان ، وأيضاً الخفية من الإخفاء ، والخيفة من الرهب ، وأيضاً { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } من هذه . قرأ عاصم وحمزة والكسائي { لَّئِنْ أَنجَـٰنَا } على المغايبة ، والباقون { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا } على الخطاب ، فأما الأولون : وهم الذين قرؤا على المغايبة ، فقد اختلفوا . قرأ عاصم بالتفخيم ، والباقون بالإمالة ، وحجة من قرأ على المغايبة أن ما قبل هذا اللفظ ، وما بعده مذكور بلفظ المغايبة ، فأما ما قبله فقوله : { تَدْعُونَهُ } وأما ما بعده فقوله : { قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا } وأيضاً فالقراءة بلفظ الخطاب توجب الإضمار ، والتقدير : يقولون لئن أنجيتنا ، والإضمار خلاف الأصل . وحجة من قرأ على المخاطبة قوله تعالى في آية أخرى : { لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } . المسألة الثانية : { ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ } مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما . يقال : لليوم الشديد يوم مظلم . ويوم ذو كواكب أي اشتدت ظلمته حتى عادت كالليل ، وحقيقة الكلام فيه أنه يشتد الأمر عليه ، ويشتبه عليه كيفية الخروج ، ويظلم عليه طريق الخلاص ، ومنهم من حمله على حقيقته فقال : أما ظلمات البحر فهي أن تجتمع ظلمة الليل ، وظلمة البحر وظلمة السحاب ، ويضاف الرياح الصعبة والأمواج الهائلة إليها ، فلم يعرفوا كيفية الخلاص وعظم الخوف ، وأما ظلمات البر فهي ظلمة الليل وظلمة السحاب والخوف الشديد من هجوم الأعداء ، والخوف الشديد من عدم الاهتداء إلى طريق الصواب ، والمقصود أن عند اجتماع هذه الأسباب الموجبة للخوف الشديد لا يرجع الإنسان إلا إلى الله تعالى ، وهذا الرجوع يحصل ظاهراً وباطناً ، لأن الإنسان في هذه الحالة يعظم إخلاصه في حضرة الله تعالى ، وينقطع رجاؤه عن كل ما سوى الله تعالى ، وهو المراد من قوله : { تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً } فبين تعالى أنه إذا شهدت الفطرة السليمة والخلقة الأصلية في هذه الحالة بأنه لا ملجأ إلا إلى الله ، ولا تعويل إلا على فضل الله ، وجب أن يبقى هذا الإخلاص عند كل الأحوال والأوقات ، لكنه ليس كذلك ، فإن الإنسان بعد الفوز بالسلامة والنجاة . يحيل تلك السلامة إلى الأسباب الجسمانية ، ويقدم على الشرك ، ومن المفسرين من يقول : المقصود من هذه الآية الطعن في إلهية الأصنام والأوثان ، وأنا أقول : التعلق بشيء مما سوى الله في طريق العبودية يقرب من أن يكون تعلقاً بالوثن ، فإن أهل التحقيق يسمونه بالشرك الخفي ، ولفظ الآية يدل على أن عند حصول هذه الشدائد يأتي الإنسان بأمور : أحدها : الدعاء . وثانيها : التضرع . وثالثها : الإخلاص بالقلب ، وهو المراد من قوله : { وَخُفْيَةً } ورابعها : التزام الاشتغال بالشكر ، وهو المراد من قوله : { لَئِنْ أَنجَـيتنا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } ثم بين تعالى أنه ينجيهم من تلك المخاوف ، ومن سائر موجبات الخوف والكرب . ثم إن ذلك الإنسان يقدم على الشرك ، ونظير هذه الآية قوله : { ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ } وقوله { وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ } وبالجملة فعادة أكثر الخلق ذلك . إذا شاهدوا الأمر الهائل أخصلوا ، وإذا انتقلوا إلى الأمن والرفاهية أشركوا به .