Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 80-80)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن إبراهيم عليه السلام لما أورد عليهم الحجة المذكورة ، فالقوم أوردوا عليه حججاً على صحة أقوالهم ، منها أنهم تمسكوا بالتقليد كقولهم : { إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [ الزخرف : 23 ] وكقولهم للرسول عليه السلام : { أَجَعَلَ ٱلأَلِهَةَ إِلَـٰهاً وٰحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَىْء عُجَابٌ } [ صۤ : 5 ] ومنها : أنهم خوفوه بأنك لما طعنت في إلهية هذه الأصنام وقعت من جهة هذه الأصنام في الآفات والبليّات ، ونظيره ما حكاه الله تعالى في قصة قوم هود : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُوءٍ } [ هود : 54 ] فذكروا هذا الجنس من الكلام مع إبراهيم عليه السلام . فأجاب الله عن حجتهم بقوله : { قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِى } ، يعني لما ثبت بالدليل الموجب للهداية واليقين صحة قولي ، فكيف يلتفت إلى حجتكم العليلة ، وكلماتكم الباطلة . وأجاب عن حجتهم الثانية وهي : أنهم خوفوه بالأصنام بقوله : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر ، والأصنام جمادات لا تقدر ولا قدرة لها على النفع والضر ، فكيف يحصل الخوف منها ؟ فإن قيل : لا شك أن للطلسمات آثاراً مخصوصة ، فلم لا يجوز أن يحصل الخوف منها من هذه الجهة ؟ قلنا : الطلسم يرجع حاصله إلى تأثيرات الكواكب ، وقد دللنا على أن قوى الكواكب على التأثيرات إنما يحصل من خلق الله تعالى فيكون الرجاء والخوف في الحقيقة ليس إلا من الله تعالى . وأما قوله : { إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى } ففيه وجوه : أحدها : إلا أن أذنب فيشاء إنزال العقوبة بي . وثانيها : إلا أن يشاء أن يبتليني بمحن الدنيا فيقطع عني بعض عادات نعمه . وثالثها : إلا أن يشاء ربي فأخاف ما تشركون به بأن يحييها ويمكنها من ضري ونفعي ويقدرها على إيصال الخير والشر إلي ، واللفظ يحتمل كل هذه الوجوه ، وحاصل الأمر أنه لا يبعد أن يحدث للإنسان في مستقبل عمره شيء من المكاره ، والحمقى من الناس يحملون ذلك على أنه إنما حدث ذلك المكروه بسبب أنه طعن في إلهية الأصنام ، فذكر إبراهيم عليه السلام ذلك حتى لو أنه حدث به شيء من المكاره لم يحمل على هذا السبب . ثم قال عليه السلام : { وَسِعَ رَبّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْماً } يعني أنه علام الغيوب فلا يفعل إلا الصلاح والخير والحكمة ، فبتقدير : أن يحدث من مكاره الدنيا فذاك ، لأنه تعالى عرف وجه الصلاح والخير فيه لا لأجل أنه عقوبة على الطعن في إلهية الأصنام . ثم قال : { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } والمعنى : أفلا تتذكرون أن نفي الشركاء والأضداد والأنداد عن الله تعالى لا يوجب حلول العقاب ونزول العذاب ، والسعي في إثبات التوحيد والتنزيه لا يوجب استحقاق العقاب . والله أعلم . المسألة الثانية : قرأ نافع وابن عامر { أَتُحَاجُّونّى } خفيفة النون على حذف أحد النونين والباقون على التشديد على الإدغام . وأما قوله : { وَقَدْ هَدَانِى } قرأ نافع وابن عامر { هَدَانِى } بإثبات الياء على الأصل والباقون بحذفها للتخفيف . المسألة الثالثة : أن إبراهيم عليه السلام حاجهم في الله وهو قوله : { لا أُحِبُّ ٱلأَفِلِينَ } والقوم أيضاً حاجوه في الله ، وهو قوله تعالى خبراً عنهم : { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى ٱللَّهِ } فحصل لنا من هذه الآية أن المحاجة في الله تارة تكون موجبة للمدح العظيم والثناء البالغ ، وهي المحاجة التي ذكرها إبراهيم عليه السلام ، وذلك المدح والثناء هو قوله تعالى : { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ } وتارة تكون موجبة للذم وهو قوله : { قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى ٱللَّهِ } ولا فرق بين هذين البابين إلا أن المحاجة في تقرير الدين الحق توجب أعظم أنواع المدح والثناء ، والمحاجة في تقرير الدين الباطل توجب أعظم أنواع الذم والزجر . وإذا ثبت هذا الأصل صار هذا قانوناً معتبراً ، فكل موضع جاء في القرآن والأخبار يدل على تهجين أمر المحاجة والمناظرة فهو محمول على تقرير الدين الباطل ، وكل موضع جاء يدل على مدحه فهو محمول على تقرير الدين الحق والمذهب الصدق . والله أعلم .