Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 10-10)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في نظم هذه الآيات وجه حسن معقول ، وهو أن المعاند لا يخلو من أحد أحوال ثلاثة ، إما أن يستمر عناده ، أو يرجى منه أن يترك العناد ، أو يترك العناد ويستسلم ، وقد بين الله تعالى في هذه الآيات أحوالهم ، وأمر المسلمين أن يعاملوهم في كل حالة على ما يقتضيه الحال . أما قوله تعالى : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا برآء منكم } [ الممتحنة : 4 ] فهو إشارة إلى الحالة الأولى ، ثم قوله : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مّنْهُم مَّوَدَّةً } [ الممتحنة : 7 ] إشارة إلى الحالة الثانية ، ثم قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا جَاءكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ } إشارة إلى الحالة الثالثة ، ثم فيه لطيفة وتنبيه وحث على مكارم الأخلاق ، لأنه تعالى ما أمر المؤمنين في مقابلة تلك الأحوال الثلاث بالجزاء إلا بالتي هي أحسن ، وبالكلام إلا بالذي هو أليق . واعلم أنه تعالى سماهن مؤمنات لصدور ما يقتضي الإيمان وهو كلمة الشهادة منهن ، ولم يظهر منهن ما هو المنافي له ، أو لأنهن مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان والامتحان وهو الابتلاء بالحلف ، والحلف لأجل غلبة الظن بإيمانهن ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للممتحنة : " " بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج ، بالله ما خرجت رغبة من أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حباً لله ولرسوله " " وقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ } منكم والله يتولى السرائر : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ } العلم الذي هو عبارة عن الظن الغالب بالحلف وغيره ، { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } أي تردوهن إلى أزواجهن المشركين ، وقوله تعالى : { لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءاتُوهُم مَّا أَنفَقُواْ } أي أعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور ، وذلك أن الصلح عام الحديبية كان على أن من أتاكم من أهل مكة يرد إليهم ، ومن أتى مكة منكم لم يرد إليكم ، وكتبوا بذلك العهد كتاباً وختموه ، فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، فأقبل زوجها مسافر المخزومي ، وقيل : صيفي بن الراهب ، فقال : يا محمد أردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا شرطاً أن ترد علينا من أتاك منا ، وهذه طية الكتاب لم تجف ، فنزلت بياناً لأن الشرط إنما كان للرجال دون النساء . وعن الزهري أنه قال : إنها جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي عاتق ، فجاء أهلها يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم ، وكانت هربت من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد ، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخويها وحبسها فقالوا : أرددها علينا ، فقال عليه السلام : " " كان الشرط في الرجال دون النساء " " وعن الضحاك : أن العهد كان إن يأتك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا ، وإن دخلت في دينك ولها زوج ردت على زوجها الذي أنفق عليها ، وللنبي صلى الله عليه وسلم من الشرط مثل ذلك ، ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد ، واستحلفها الرسول عليه السلام فحلفت وأعطى زوجها ما أنفق ، ثم تزوجها عمر ، وقوله تعالى : { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن } أي مهورهن إذ المهر أجر البضع { وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ } والعصمة ما يعتصم به من عهد وغيره ، ولا عصمة بينكم وبينهن ولا علقة النكاح كذلك ، وعن ابن عباس أن اختلاف الدارين يقطع العصمة ، وقيل : لا تقعدوا للكوافر ، وقرىء : { تمسكوا } ، بالتخفيف والتشديد ، و { تمسكوا } أي ولا تتمسكوا ، وقوله تعالى : { واسألوا ما أنفقتم } وهو إذا لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا منعوها ولم يدفعوها إليكم فعليهم أن يغرموا صداقها كما يغرم لهم وهو قوله تعالى : { وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم } أي بين المسلمين والكفار وفي الآية مباحث : الأول : قوله : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } أمر بمعنى الوجوب أو بمعنى الندب أو بغير هذا وذلك ؟ قال الواحدي : هو بمعنى الاستحباب . الثاني : ما الفائدة في قوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ } وذلك معلوم من غير شك ؟ نقول : فائدته بيان أن لا سبيل إلى ما تطمئن به النفس من الإحاطة بحقيقة إيمانهن ، فإن ذلك مما استأثر به علام الغيوب . الثالث : ما الفائدة في قوله : { وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } ويمكن أن يكون في أحد الجانبين دون الآخر ؟ نقول : هذا باعتبار الإيمان من جانبهن ومن جانبهم إذ الإيمان من الجانبين شرط للحل ولأن الذكر من الجانبين مؤكد لارتفاع الحل ، وفيه من الإفادة مالا يكون في غيره ، فإن قيل : هب أنه كذلك لكن يكفي قوله : { فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ } لأنه لا يحل أحدهما للآخر فلا حاجة إلى الزيادة عليه والمقصود هذا لا غير ، نقول : التلفظ بهذا اللفظ لا يفيد ارتفاع الحل من الجانبين بخلاف التلفظ بذلك اللفظ وهذا ظاهر . البحث الرابع : كيف سمى الظن علماً في قوله : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ } ؟ نقول : إنه من باب أن الظن الغالب وما يفضي إليه الاجتهاد ، والقياس جار مجرى العلم ، وأن صاحبه غير داخل في قوله : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . ثم قال تعالى :