Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجه تعلق هذه السورة بما قبلها هو أنه تعالى قال في أول تلك السورة : { سَبَّحَ للَّهِ } [ الصف : 1 ] بلفظ الماضي وذلك لا يدل على التسبيح في المستقبل ، فقال في أول هذه السورة بلفظ المستقبل ليدل على التسبيح في زماني الحاضر والمستقبل ، وأما تعلق الأول بالآخر ، فلأنه تعالى ذكر في آخر تلك السورة أنه كان يؤيد أهل الإيمان حتى صاروا عالين على الكفار ، وذلك على وفق الحكمة لا للحاجة إليه إذ هو غني على الإطلاق ، ومنزه عما يخطر ببال الجهلة في الآفاق ، وفي أول هذه السورة ما يدل على كونه مقدساً ومنزهاً عما لا يليق بحضرته العالية بالاتفاق ، ثم إذا كان خلق السموات والأرض بأجمعهم في تسبيح حضرة الله تعال فله الملك ، كما قال تعالى : { يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ } [ التغابن : 1 ] ولا ملك أعظم من هذا ، وهو أنه خالقهم ومالكهم وكلهم في قبضة قدرته وتحت تصرفه ، يسبحون له آناء الليل وأطراف النهار بل في سائر الأزمان ، كما مر في أول تلك السورة ، ولما كان الملك كله له فهو الملك على الإطلاق ، ولما كان الكل بخلقه فهو المالك ، والمالك والملك أشرف من المملوك ، فيكون متصفاً بصفات يحصل منها الشرف ، فلا مجال لما ينافيه من الصفات فيكون قدوساً ، فلفظ { ٱلْمَلِكِ } إشارة إلى إثبات ما يكون من الصفات العالية ، ولفظ { ٱلْقُدُّوسِ } هو إشارة إلى نفي مالا يكون منها ، وعن الغزالي { ٱلْقُدُّوسِ } المنزه عما يخطر ببال أوليائه ، وقد مر تفسيره وكذلك { ٱلعَزِيزِ ٱلحَكِيمِ } ثم الصفات المذكورة قرئت بالرفع على المدح ، أي هو الملك القدوس ، ولو قرئت بالنصب لكان وجهاً ، كقول العرب : الحمد لله أهل الحمد ، كذا ذكره في « الكشاف » ، ثم في الآية مباحث : الأول : قال تعالى : { يُسَبّحُ لِلَّهِ } ولم يقل : يسبح الله ، فما الفائدة ؟ نقول : هذا من جملة ما يجري فيه اللفظان : كشكره وشكر له ، ونصحه ونصح له . الثاني : { ٱلْقُدُّوسِ } من الصفات السلبية ، وقيل : معناه المبارك . الثالث : لفظ { ٱلْحَكِيمِ } يطلق على الغير أيضاً ، كما قيل في لقمان : إنه حكيم ، نقول : الحكيم عند أهل التحقيق هو الذي يضع الأشياء في مواضعها ، والله تعالى حكيم بهذا المعنى . ثم إنه تعالى بعدما فرغ من التوحيد والتنزيه شرع في النبوة فقال :