Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 2-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربن انقضاء أجل العدة لا انقضاء أجلهن ، والمراد من بلوغ الأجل هنا مقاربة البلوغ ، وقد مر تفسيره . قال صاحب « الكشاف » : هو آخر العدة وشارفته ، فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف ، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة ، وإتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر العدة ، ثم يطلقها تطويلاً للعدة وتعذيباً لها . وقوله تعالى : { وَأَشْهِدُواْ ذَوى عَدْلٍ مّنْكُمْ } أي أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة ذوي عدل ، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كما في قوله : { وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [ البقرة : 282 ] وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة ، وقيل : فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد ، وأن لا يتهم في إمساكها ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث ، وقيل : الإشهاد إنما أمروا به للاحتياط مخافة أن تنكر المرأة المراجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجاً . ثم خاطب الشهداء فقال : { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ } وهذا أيضاً مر تفسيره ، وقوله : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } قال الشعبي : من يطلق للعدة يجعل الله له سبيلاً إلى الرجعة ، وقال غيره : مخرجاً من كل أمر ضاق على الناس ، قال الكلبي : ومن يصبر على المصيبة يجعل الله له مخرجاً من النار إلى الجنة ، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " " مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ، ومن شدائد يوم القيامة ، " " وقال أكثر أهل التفسير : أنزل هذا وما بعده في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابناً له فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة فقال له : " " اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " " ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه ، وقد غفل عنه العدو ، فأصاب إبلاً وجاء بها إلى أبيه ، وقال صاحب « الكشاف » : فبينا هو في بيته ، إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها ، فذلك قوله : ويرزقه من حيث لا يحتسب ويجوز أنه إن اتقى الله وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } وقال في « الكشاف » : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة كما مر . وقوله تعالى : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } أي من وثق به فيما ناله كفاه الله ما أهمه ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله " وقرىء : { إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ } بالإضافة { وبالغ أمره } أي نافذ أمره ، وقرأ المفضل { بالغاً أمره } ، على أن قوله { قَدْ جَعَلَ } خبر { إن } ، و { بالغاً } حال . قال ابن عباس يريد في جميع خلقه والمعنى سيبلغ الله أمره فيما يريد منكم و { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْراً } أي تقديراً وتوقيتاً ، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه ، قال الكلبي ومقاتل : لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه قدر الله تعالى ذلك كله لا يقدم ولا يؤخر . وقال ابن عباس : يريد قدرت ما خلقت بمشيئتي ، وقوله : { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } إلى قوله : { مَخْرَجاً } آية ومنه إلى قوله : { قَدْراً } آية أخرى عند الأكثر ، وعند الكوفي والمدني المجموع آية واحدة ثم في هذه الآية لطيفة : وهي أن التقوي في رعاية أحوال النساء مفتقرة إلى المال ، فقال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } وقريب من هذا قوله : { إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ النور : 32 ] فإن قيل : { وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } يدل على عدم الاحتياج للكسب في طلب الرزق ، وقوله تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 10 ] يدل على الاحتياج فكيف هو ؟ نقول : لا يدل على الاحتياج ، لأن قوله : { فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } للإباحة كما مر والإباحة مما ينافي الاحتياج إلى الكسب لما أن الاحتياج مناف للتخيير .