Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 42-43)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فقال : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : يوم منصوب بماذا ؟ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه منصوب ، بقوله : { فَلْيَأْتُواْ } في قوله : { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ } [ القلم : 41 ] وذلك أن ذلك اليوم يوم شديد ، فكأنه تعالى قال : إن كانوا صادقين في أنها شركاء فليأتوا بها يوم القيامة ، لتنفعهم ونشفع لهم وثانيها : أنه منصوب بإضمار اذكر وثالثها : أن يكون التقدير يوم يكشف عن ساق ، كان كيت وكيت فحذف للتهويل البليغ ، وأن ثم من الكوائن مالا يوصف لعظمته . المسألة الثانية : هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق ، أهو يوم القيامة أو في الدنيا ؟ فيه قولان : الأول : وهو الذي عليه الجمهور ، أنه يوم القيامة ، ثم في تفسير الساق وجوه : الأول : أنه الشدة ، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية ، فقال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر ، فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر : @ سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق @@ ثم قال : وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال : هو أشد ساعة في القيامة ، وأنشد أهل اللغة أبياتاً كثيرة منها : @ فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم @@ ومنها : @ كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح @@ وقال جرير : @ ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا @@ وقال آخر : @ في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها @@ وقال آخر : @ قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا @@ ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذاوقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه ، يشمر عن ساقه ، فلا جرم يقال في موضع الشدة : كشف عن ساقه ، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز ، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة ، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى ، يستحيل أن يكون جسماً ، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز ، واعلم أن صاحب « الكشاف » أورد هذا التأويل في معرض آخر ، فقال : الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر ، فمعنى قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } يوم يشتد الأمر ويتفاقم ، ولا كشف ثم ، ولا ساق ، كما تقول للأقطع الشحيح : يده مغلولة ، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل ، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول لولاه : لما وقفنا على هذه الأسرار وأقول : إما أن يدعى أنه صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل ، أو يقول : إنه لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة ، والأول باطل بإجماع المسلمين ، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت أبواب تأويلات الفلاسفة في أمر المعاد فإنهم يقولون في قوله : { جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } [ البقرة : 25 ] ليس هناك لا أنهار ولا أشجار ، وإنما هو مثل للذة والسعادة ، ويقولون في قوله : { ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ } [ الحج : 77 ] ليس هناك لا سجود ولا ركوع . وإنما هو مثل للتعظيم ، ومعلوم أن ذلك يفضي إلى رفع الشرائع وفساد الدين ، وأما إن قال : بأنه لا يصار إلى هذا التأويل إلا بعد قيام الدلالة على أنه لا يجوز حمله على ظاهره ، فهذا هو الذي لم يزل كل أحد من المتكلمين إلا قال به وعول عليه ، فأين هذه الدقائق ، التي استبد هو بمعرفتها والاطلاع عليها بواسطة علم البيان ، فرحم الله أمراً عرف قدره ، وما تجاوز طوره القول الثاني : وهو قول أبي سعيد الضرير : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، أي عن أصل الأمر ، وساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجر ، وساق الإنسان ، أي يظهر يوم القيامة حقائق الأشياء وأصولها القول الثالث : يوم يكشف عن ساق جهنم ، أو عن ساق العرش ، أو عن ساق ملك مهيب عظيم ، واللفظ لا يدل إلا على ساق ، فأما أن ذلك الساق ساق أي شيء هو فليس في اللفظ ما يدل عليه والقول الرابع : وهو اختيار المشبهة ، أنه ساق الله ، تعالى الله عنه روى عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام : " " أنه تعالى يتمثل للخلق يوم القيامة حين يمر المسلمون ، فيقول : من تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله فيشهدهم مرتين أو ثلاثاً ثم يقول : هل تعرفون ربكم ، فيقولون : سبحانه إذا عرفنا نفسه عرفناه ، فعند ذلك يكشف عن ساق ، فلا يبقى مؤمن إلا خر ساجداً ، ويبقى المنافقون ظهورهم كالطبق الواحد كأنما فيها السفافيد " " واعلم أن هذا القول باطل لوجوه أحدها : أن الدلائل دلت على أن كل جسم محدث ، لأن كل جسم متناه ، وكل متناه محدث ولأن كل جسم فإنه لا ينفك عن الحركة والسكون ، وكل ما كان كذلك فهو محدث ، ولأن كل جسم ممكن ، وكل ممكن محدث وثانيها : أنه لو كان المراد ذلك لكان من حق الساق أن يعرف ، لأنها ساق مخصوصة معهودة عنده وهي ساق الرحمن ، أما لو حملناه على الشدة ، ففائدة التنكير الدلالة على التعظيم ، كأنه قيل : يوم يكشف عن شدة ، وأي شدة ، أي شدة لا يمكن وصفها وثالثها : أن التعريف لا يحصل بالكشف عن الساق ، وإنما يحصل بكشف الوجه القول الثاني : أن قوله : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ليس المراد منه يوم القيامة ، بل هو في الدنيا ، وهذا قول أبي مسلم قال : أنه لا يمكن حمله على يوم القيامة لأنه تعالى قال في وصف هذا اليوم : { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف ، بل المراد منه ، إما آخر أيام الرجل في دنياه كقوله تعالى : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلَـئِكَةَ لاَ بُشْرَىٰ } [ الفرقان : 22 ] ثم إنه يرى الناس يدعون إلى الصلوات إذا حضرت أوقاتها ، وهو لا يستطيع الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع نفساً إيمانها ، وإما حال الهرم والمرض والعجز وقد كانوا قبل ذلك اليوم يدعون إلى السجود وهم سالمون مما بهم الآن ، إما من الشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت أو من العجز والهرم ، ونظير هذه الآية قوله : { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [ الواقعة : 83 ] واعلم أنه لا نزاع في أنه يمكن حمل اللفظ على ما قاله أبو مسلم ، فأما قوله : إنه لا يمكن حمله على القيامة بسبب أن الأمر بالسجود حاصل ههنا ، والتكاليف زائلة يوم القيامة فجوابه أن ذلك لا يكون على سبيل التكليف ، بل على سبيل التقريع والتخجيل ، فلم قلتم : إن ذلك غير جائز . المسألة الثالثة : قرىء : { يَوْم نكشف } بالنون و { تكشف } بالتاء المنقوطة من فوق على البناء للفاعل والمفعول جميعاً والفعل للساعة أو للحال ، أي يوم يشتد الحال أو الساعة ، كما تقول : كشف الحرب عن ساقها على المجاز . وقرىء تكشف بالتاء المضمومة وكسر الشين من أكشف إذا دخل في الكشف ، ومنه أكشف الرجل فهو مكشف إذا انقلبت شفته العليا . قوله تعالى : { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ ، خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } . اعلم أنا بينا أنهم لا يدعون إلى السجود تعبداً وتكليفاً ، ولكن توبيخاً وتعنيفاً على تركهم السجود في الدنيا ، ثم إنه تعالى حال ما يدعوهم إلى السجود يسلب عنهم القدرة على السجود ، ويحول بينهم وبين الاستطاعة حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا فيه ، حين دعوا إلى السجود وهم سالمو الأطراف والمفاصل . قال الجبائي : لما خصص عدم الاستطاعة بالآخرة دل ذلك على أنهم في الدنيا كانوا يستطيعون ، فبطل بهذا قول من قال : الكافر لا قدرة له على الإيمان ، وإن القدرة على الإيمان لا تحصل إلا حال وجود الإيمان والجواب : عنه أن علم الله بأنه لا يؤمن مناف لوجود الإيمان والجمع بين المتنافيين محال ، فالاستطاعة في الدنيا أيضاً غير حاصلة على قول الجبائي . أما قوله : { خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ } فهو حال من قوله : { لاَ يَسْتَطِيعُونَ … تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } يعني يلحقهم ذل بسبب أنهم ما كانوا مواظبين على خدمة مولاهم مثل العبد الذي أعرض عنه مولاه ، فإنه يكون ذليلاً فيما بين الناس ، وقوله : { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } يعني حين كانوا يدعون إلى الصلوات بالأذان والإقامة وكانوا سالمين قادرين على الصلاة ، وفي هذا وعيد لمن قعد عن الجماعة ولم يجب المؤذن إلى إقامة الصلاة في الجماعة .