Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 17-17)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا } وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله : { وَٱلْمَلَكُ } لم يرد به ملكاً واحداً ، بل أراد الجنس والجمع . المسألة الثانية : الأرجاء في اللغة النواحي يقال : رجا ورجوان والجمع الأرجاء ، ويقال ذلك لحرف البئر وحرف القبر وما أشبه ذلك ، والمعنى أن السماء إذا انشقت عدلت الملائكة عن مواضع الشق إلى جوانب السماء ، فإن قيل : الملائكة يموتون في الصعقة الأولى ، لقوله : { فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] فكيف يقال : إنهم يقفون على أرجاء السماء ؟ قلنا : الجواب من وجهين : الأول : أنهم يقفون لحظة على أرجاء السماء ثم يموتون الثاني : أن المراد الذين استثناهم الله في قوله : { إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } [ الزمر : 68 ] . قوله تعالى : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَـٰنِيَةٌ } فيه مسائل : المسألة الأولى : هذا العرش هو الذي أراده الله بقوله { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ } [ غافر : 7 ] وقوله : { وَتَرَى ٱلْمَلَـٰئِكَةَ حَافّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ } [ الزمر : 75 ] . المسألة الثانية : الضمير في قوله : { فَوْقَهُمُ } إلى ماذا يعود ؟ فيه وجهان الأول : وهو الأقرب أن المراد فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء والمقصود التمييز بينهم وبين الملائكة الذين هم حملة العرش الثاني : قال مقاتل : يعني أن الحملة يحملون العرش فوق رؤوسهم . ومجيء الضمير قبل الذكر جائز كقوله : في بيته يؤتي الحكم . المسألة الثالثة : نقل عن الحسن رحمه الله أنه قال : لا أدري ثمانية أشخاص أو ثمانية آلاف أو ثمانية صفوف أو ثمانية آلاف صف . واعلم أن حمله على ثمانية أشخاص أولى لوجوه : أحدها : ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " " هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فيكونون ثمانية " " ويروى : " " ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤوسهم وهم مطرقون مسبحون " " [ وقيل : بعضهم على صورة الإنسان ] وقيل : بعضهم على صورة الأسد وبعضهم على صورة الثور وبعضهم على صورة النسر ، وروي ثمانية أملاك في صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاماً ، وعن شهر بن حوشب أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك الوجه الثاني : في بيان أن الحمل على ثمانية أشخاص أولى من الحمل على ثمانية آلاف وذلك لأن الثمانية أشخاص لا بد منهم في صدق اللفظ ، ولا حاجة في صدق اللفظ إلى ثمانية آلاف ، فحينئذ يكون اللفظ دالاً على ثمانية أشخاص ، ولا دلالة فيه على ثمانية آلاف فوجب حمله على الأول الوجه الثالث : وهو أن الموضع موضع التعظيم والتهويل فلو كان المراد ثمانية آلاف ، أو ثمانية صفوف لوجب ذكره ليزداد التعظيم والتهويل ، فحيث لم يذكر ذلك علمنا أنه ليس المراد إلا ثمانية أشخاص . المسألة الرابعة : قالت المشبهة : لو لم يكن الله في العرش لكان حمل العرش عبثاً عديم الفائدة ، ولا سيما وقد تأكد ذلك بقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } [ الحاقة : 18 ] والعرض إنما يكون لو كان الإله حاصلاً في العرش ، أجاب أهل التوحيد عنه بأنه لا يمكن أن يكون المراد منه أن الله جالس في العرش وذلك لأن كل من كان حاملاً للعرش كان حاملاً لكل ما كان في العرش ، فلو كان الإله في العرش للزم الملائكة أن يكونوا حاملين لله تعالى وذلك محال ، لأنه يقتضي احتياج الله إليهم ، وأن يكونوا أعظم قدرة من الله تعالى وكل ذلك كفر صريح ، فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل فنقول : السبب في هذا الكلام هو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه ، فخلق لنفسه بيتاً يزورونه ، وليس أنه يسكنه ، تعالى الله عنه وجعل في ركن البيت حجراً هو يمينه في الأرض ، إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم ، وجعل على العباد حفظة ليس لأن النسيان يجوز عليه سبحانه ، لكن هذا هو المتعارف فكذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله جلس إليهم على سرير ووقف الأعوان حوله أحضر الله يوم القيامة عرشاً وحضرت الملائكة وحفت به ، لا لأنه يقعد عليه أو يحتاج إليه بل لمثل ما قلناه في البيت والطواف .