Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 69, Ayat: 28-32)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ مَا أَغْنَىٰ } نفي أو استفهام على وجه الإنكار أي أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار ، ونظيره قوله : { وَيَأْتِينَا فَرْداً } [ مريم : 80 ] وقوله : { هَلَكَ عَنّي سُلْطَـٰنِيَهْ } في المراد بلسطانيه وجهان : أحدهما : قال ابن عباس : ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها على محمد في الدنيا ، وقال مقاتل : ضلت عني حجتي يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك والثاني : ذهب ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً ، وقيل معناه : إنني إنما كنت أنازع المحقين بسبب الملك والسلطان ، فالآن ذهب ذلك الملك وبقي الوبال . واعلم أنه تعالى ذكر سرور السعداء أولاً ، ثم ذكر أحوالهم في العيش الطيب وفي الأكل والشرب ، كذا ههنا ذكر غم الأشقياء وحزنهم ، ثم ذكر أحوالهم في الغل والقيد وطعام الغسلين ، فأولها أن تقول : خزنة جهنم خذوه فيبتدر إليه مائة ألف ملك ، وتجمع يده إلى عنقه ، فذاك قوله : { فَغُلُّوهُ } وقوله : { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } قال المبرد : أصليته النار إذا أوردته إياها وصليته أيضاً كما يقال : أكرمته وكرمته ، وقوله : { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } معناه لا تصلوه إلى الجحيم ، وهي النار العظمى لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس ، ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة وكل شيء مستمر بعد شيء على الولاء والنظام فهو مسلسل ، وقوله : { ذَرْعُهَا } معنى الذرع في اللغة التقدير بالذراع من اليد ، يقال : ذرع الثوب يذرعه ذرعاً إذا قدره بذراعه ، وقوله : { سَبْعُونَ ذِرَاعاً } فيه قولان : أحدهما : أنه ليس الغرض التقدير بهذا المقدار بل الوصف بالطول ، كما قال : { إن تستغفر لهم سبعين مرة } [ التوبة : 80 ] يريد مرات كثيرة والثاني : أنه مقدر بهذا المقدار ثم قالوا : كل ذراع سبعون باعاً وكل باع أبعد مما بين مكة والكوفة ، وقال الحسن : الله أعلم بأي ذراع هو ، وقوله : { فَاْسْلُكُوهُ } قال المبرد : يقال سلكه في الطريق ، وفي القيد وغير ذلك وأسلكته معناه أدخلته ولغة القرآن سلكته قال الله تعالى : { مَا سَلَكَكُمْ فِى سقر } [ المدثر : 42 ] وقال : { سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ الشعراء : 200 ] قال ابن عباس : تدخل السلسلة من دبره وتخرج من حلقه ، ثم يجمع بين ناصيته وقدميه ، وقال الكلبي : كما يسلك الخيط في اللؤلؤ ثم يجعل في عنقه سائرها ، وههنا سؤالات : السؤال الأول : ما الفائدة في تطويل هذه السلسلة ؟ الجواب : قال سويد بن أبي نجيح : بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة ، وإذا كان الجمع من الناس مقيدين بالسلسلة الواحدة كان العذاب على كل واحد منهم بذلك السبب أشد . السؤال الثاني : سلك السلسلة فيهم معقول ، أما سلكهم في السلسلة فما معناه ؟ الجواب : سلكه في السلسلة أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أجزاؤها وهو فيما بينها مزهق مضيق عليه لا يقدر على حركة ، وقالوا الفراء : المعنى ثم اسلكوا فيه السلسلة كما يقال : أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي ، ويقال : الخاتم لا يدخل في إصبعي ، والإصبع هو الذي يدخل في الخاتم . السؤال الثالث : لم قال في { سلسلة … فاسلكوه } ، ولم يقل : فاسلكوه في سلسلة ؟ الجواب : المعنى في تقديم السلسلة على السلك هو الذي ذكرناه في تقديم الجحيم على التصلية ، أي لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة لأنها أفظع من سائر السلاسل السؤال الرابع : ذكر الأغلال والتصلية بالفاء وذكر السلك في هذه السلسلة بلفظ ثم ، فما الفرق ؟ الجواب : ليس المراد من كلمة ثم تراخي المدة بل التفاوت في مراتب العذاب . واعلم أنه تعالى لما شرح هذا العذاب الشديد ذكر سببه فقال :