Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 7-7)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } قال مقاتل : سلطها عليهم . وقال الزجاج : أقلعها عليهم ، وقال آخرون : أرسلها عليهم ، هذه هي الألفاظ المنقولة عن المفسرين ، وعندي أن فيه لطيفة ، وذلك لأن من الناس من قال : إن تلك الرياح إنما اشتدت ، لأن اتصالاً فلكياً نجومياً اقتضى ذلك ، فقوله : { سَخَّرَهَا } فيه إشارة إلى نفي ذلك المذهب ، وبيان أن ذلك إنما حصل بتقدير الله وقدرته ، فإنه لولا هذه الدقيقة لما حصل منه التخويف والتحذير عن العقاب . وقوله : { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } الفائدة فيه أنه تعالى لو لم يذكر ذلك لما كان مقدار زمان هذا العذاب معلوماً ، فلما قال : { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ } صار مقدار هذا الزمان معلوماً ، ثم لما كان يمكن أن يظن ظان أن ذلك العذاب كان متفرقاً في هذه المدة أزال هذا الظن ، بقوله : { حُسُوماً } أي متتابعة متوالية ، واختلفوا في الحسوم على وجوه أحدها : وهو قول الأكثرين حسوماً ، أي متتابعة ، أي هذه الأيام تتابعت عليهم بالريح المهلكة ، فلم يكن فيها فتور ولا انقطاع ، وعلى هذا القول : حسوم جمع حاسم . كشهود وقعود ، ومعنى هذا الحسم في اللغة القطع بالاستئصال ، وسمي السيف حساماً ، لأنه يحسم العدو عما يريد ، من بلوغ عداوته فلما كانت تلك الرياح متتابعة ما سكنت ساعة حتى أتت عليهم أشبه تتابعها عليهم تتابع فعل الحاسم في إعادة الكي ، على الداء كرة بعد أخرى ، حتى ينحسم وثانيها : أن الرياح حسمت كل خير ، واستأصلت كل بركة ، فكانت حسوماً أو حسمتهم ، فلم يبق منهم أحد ، فالحسوم على هذين القولين جمع حاسم وثالثها : أن يكون الحسوم مصدراً كالشكور والكفور ، وعلى هذا التقدير فإما أن ينتصب بفعله مضمراً ، والتقدير : يحسم حسوماً ، يعني استأصل استئصالاً ، أو يكون صفة ، كقولك : ذات حسوم ، أو يكون مفعولاً له ، أي سخرها عليهم للاستئصال ، وقرأ السدي : { حُسُوماً } بالفتح حالاً من الريح ، أي سخرها عليهم مستأصلة ، وقيل : هي أيام العجوز ، وإنما سميت بأيام العجوز ، لأن عجوزاً من عاد توارت في سرب ، فانتزعتها الريح في اليوم الثامن فأهلكتها ، وقيل : هي أيام العجز وهي آخر الشتاء . قوله تعالى : { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ } أي في مهابها ، وقال آخرون : أي في تلك الليالي والأيام : { صَرْعَىٰ } جمع صريع . قال مقاتل : يعني موتى يريد أنهم صرعوا بموتهم ، فهم مصرعون صرع الموت . ثم قال : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي كأنهم أصول نخل خالية الأجواف لا شيء فيها ، والنخل يؤنث ويذكر ، قال الله تعالى في موضع آخر : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] وقرىء : أعجاز نخيل ، ثم يحتمل أنهم شبهوا بالنخيل التي قلعت من أصلها ، وهو إخبار عن عظيم خلقهم وأجسامهم ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع ، أي أن الريح قد قطعتهم حتى صاروا قطعاً ضخاماً كأصول النخل . وأما وصف النخل بالخواء ، فيحتمل أن يكون وصفاً للقوم ، فإن الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخل الخاوية الجوف ، ويحتمل أن تكون الخالية بمعنى البالية لأنها إذا بليت خلت أجوافها ، فشبهوا بعد أن أهلكوا بالنخيل البالية ثم قال :