Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 104-106)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أنه كان يقال لملوك مصر : الفراعنة ، كما يقال لملوك فارس : الأكاسرة ، فكأنه قال : يا ملك مصر ، وكان اسمه قايوس ، وقيل : الوليد بن مصعب بن الريان . المسألة الثانية : قوله : { إِنّى رَسُولٌ مّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فيه إشارة إلى ما يدل على وجود الإله تعالى . فإن قوله : { رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } يدل على أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه ، وإله يوجده ويخلقه . ثم قال : { حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لآ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } والمعنى أن الرسول لا يقول إلا الحق ، فصار نظم الكلام . كأنه قال : أنا رسول الله ، ورسول الله لا يقول إلا الحق ، ينتج أني لا أقول إلا الحق ، ولما كانت المقدمة الأولى خفية ، وكانت المقدمة الثانية جلية ظاهرة ، ذكر ما يدل على صحة المقدمة الأولى ، وهو قوله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رَّبّكُمْ } وهي المعجزة الظاهرة القاهرة . ولما قرر رسالة نفسه فرع عليه تبليغ الحكم ، وهو قوله : { فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } ولما سمع فرعون هذا الكلام قال : { إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ } واعلم أن دليل موسى عليه السلام كان مبنياً على مقدمات : إحداها : أن لهذا العالم إلهاً قادراً عالماً حكيماً . والثانية : أنه أرسله إليهم بدليل أنه أظهر المعجز على وفق دعواه ، ومتى كان الأمر كذلك ، وجب أن يكون رسولاً حقاً . والثالثة : أنه متى كان الأمر كذلك كان كل ما يبلغه من الله إليهم ، فهو حق وصدق . ثم إن فرعون ما نازعه في شيء من هذه المقدمات إلا في طلب المعجزة ، وهذا يوهم أنه كان مساعداً على صحة سائر المقدمات ، وقد ذكرنا في سورة طه أن العلماء اختلفوا في أن فرعون هل كان عارفاً بربه أم لا ؟ ولمجيب أن يجيب ، فيقول : إن ظهور المعجزة يدل أولاً على وجود الإله القادر المختار ، وثانياً : على أن الإله جعله قائماً مقام تصديق ذلك الرسول ، فلعل فرعون كان جاهلاً بوجود الإله القادر المختار ، وطلب منه إظهار تلك البينة حتى أنه إن أظهرها وأتى بها كان ذلك دليلاً على وجود الإله أولاً ، وعلى صحة نبوته ثانياً ، وعلى هذا التقدير : لا يلزم من اقتصار فرعون على طلب البينة ، كونه مقراً بوجود الإله الفاعل المختار . المسألة الثالثة : قرأ نافع { حقيق عَلَىَّ } مشدد الياء والباقون بسكون الياء والتخفيف . أما قراءة نافع { فحقيق } يجوز أن يكون بمعنى فاعل . قال الليث : حق الشيء معناه وجب ، ويحق عليك أن تفعل كذا ، وحقيق علي أن أفعله ، بمعنى فاعل . والمعنى : واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، وضع فعيل في موضع مفعول . تقول العرب : حق علي أن أفعل كذا وإني لمحقوق على أن أفعل خيراً ، أي حق علي ذلك بمعنى استحق . إذا عرفت هذا فنقول : حجة نافع في تشديد الياء أن حق يتعدى بعلي . قال تعالى : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَا } [ الصافات : 31 ] وقال : { فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ } [ الإسراء : 16 ] فحقيق يجوز أن يكون موصولاً بحرف على من هذا الوجه ، وأيضاً فإن قوله : { حَقِيقٌ } بمعنى واجب ، فكما أن وجب يتعدى بعلي ، كذلك حقيق إن أريد به وجب ، يتعدى بعلي . وأما قراءة العامة { حَقِيقٌ عَلَىَّ } بسكون الياء . ففيه وجوه : الأول : أن العرب تجعل الباء في موضع « علي » تقول : رميت على القوس وبالقوس ، وجئت على حال حسنة ، وبحال حسنة . قال الأخفش : وهذا كما قال : { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرٰطٍ تُوعِدُونَ } [ الأعراف : 86 ] فكما وقعت الباء في قوله : { بِكُلّ صِرٰطٍ } موضع « علي » كذلك وقعت كلمة « علي » موقع الباء في قوله : { حَقِيقٌ عَلَىَّ أَنْ لا أَقُولَ } يؤكد هذا الوجه قراءة عبدالله { حَقِيقٌ بِأَنَّ لا أَقُولَ } وعلى هذه القراءة فالتقدير : أنا حقيق بأن لا أقول ، وعلى قراءة نافع يرتفع بالابتداء ، وخبره { أَن لا أَقُولَ } الثاني : أن الحق هو الثابت الدائم ، والحقيق مبالغة فيه ، وكان المعنى : أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق . الثالث : الحقيق ههنا بمعنى المحقوق ، وهو من قولك : حققت الرجل إذا ما تحققته وعرفته على يقين ، ولفظة { عَلَىَّ } ههنا هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية ، كقوله تعالى : { فِطْرَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] وتقول : جاءت فلان على هيئته وعادته ، وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات ، فمعنى الآية : أني لم أعرف ولم أتحقق إلا على قول الحق . والله أعلم . أما قوله : { فَأَرْسِلْ مَعِىَ بَنِى إِسْرٰءيلَ } أي أطلق عنهم وخلهم ، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة ، مثل ضرب اللبن ونقل التراب ، فعند هذا الكلام قال فرعون : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ } وفيه بحثان : البحث الأول : أن لقائل أن يقول : كيف قال له { فَأْتِ بِهَا } بعد قوله : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ } . وجوابه : إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فٱتني بها وأحضرها عندي ، ليصح دعواك ويثبت صدقك . والبحث الثاني : أن قوله : { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِـئَايَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ } جزاء وقع بين شرطين ، فكيف حكمه ؟ وجوابه أن نظيره قوله : إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيداً . وههنا المؤخر في اللفظ يكون متقدماً في المعنى ، وقد سبق تقرير هذا المعنى فيما تقدم .