Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 120-122)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : قال المفسرون : إن تلك الحبال والعصي كانت حمل ثلثمائة بعير ، فلما ابتلعها ثعبان موسى عليه السلام وصارت عصا كما كانت قال بعض السحرة لبعض هذا خارج عن السحر ، بل هو أمر إلهي ، فاستدلوا به على أن موسى عليه السلام نبي صادق من عند الله تعالى ، قال المتكلمون : وهذه الآية من أعظم الدلائل على فضيلة العلم ، وذلك لأن أولئك الأقوام كانوا عالمين بحقيقة السحر واقفين على منتهاه ، فلما كانوا كذلك ووجدوا معجزة موسى عليه السلام خارجة عن حد السحر ، علموا أنه من المعجزات الإلهية ، لا من جنس التمويهات البشرية ولو أنهم ما كانوا كاملين في علم السحر لما قدروا على ذلك الاستدلال ، لأنهم كانوا يقولون : لعله أكمل منا في علم السحر ، فقدر على ما عجزنا عنه ، فثبت أنهم كانوا كاملين في علم السحر . فلأجل كمالهم في ذلك العلم انتقلوا من الكفر إلى الإيمان . فإذا كان حال علم السحر كذلك ، فما ظنك بكمال حال الإنسان في علم التوحيد . المسألة الثانية : احتج أصحابنا بقوله تعالى : { وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ } قالوا : دلت هذه الآية على أن غيرهم ألقاهم ساجدين ، وما ذاك إلا الله رب العالمين فهذا يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى . قال مقاتل : ألقاهم الله تعالى ساجدين . وقال المعتزلة : الجواب عنه من وجوه : الأول : أنهم لما شاهدوا الآيات العظيمة والمعجزات القاهرة لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين فصار كأن ملقياً ألقاهم . الثاني : قال الأخفش : من سرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقاهم غيرهم لأنهم لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين . الثالث : أنه ليس في الآية أنه ألقاهم ملق إلى السجود ، إلا أنا نقول : إن ذلك الملقي هو أنفسهم . والجواب : أن خالق تلك الداعية في قلوبهم هو الله تعالى ، وإلا لافتقروا في خلق تلك الداعية الجازمة إلى داعية أخرى ولزم التسلسل وهو محال . ثم إن أصل تلك القدرة مع تلك الداعية الجازمة تصير موجبة للفعل . وخالق ذلك الموجب هو الله تعالى فكان ذلك الفعل والأثر مسنداً إلى الله تعالى ، والله أعلم . المسألة الثالثة : أنه تعالى ذكر أولاً أنهم صاروا ساجدين ، ثم ذكر بعده أنهم قالوا : { ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فما الفائدة فيه مع أن الأيمان يجب أن يكون متقدماً على السجود ؟ وجوابه من وجوه : الأول : أنهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله تعالى في الحال ، وجعلوا ذلك السجود شكراً لله تعالى على الفوز بالمعرفة والإيمان ، وعلامة أيضاً على انقلابهم من الكفر إلى الإيمان ، وإظهار الخضوع والتذلل لله تعالى فكأنهم جعلوا ذلك السجود الواحد علامة على هذه الأمور الثلاثة على سبيل الجمع . الوجه الثاني : لا يبعد أنهم عند الذهاب إلى السجود قالوا : { ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل والوجه الصحيح هو الأول . المسألة الرابعة : احتج أهل التعليم بهذه الآية فقالوا : الدليل على أن معرفة الله لا تحصل إلا بقول النبي أن أولئك السحرة لما قالوا : { ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } لم يتم إيمانهم فلما قالوا : { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } تم إيمانهم وذلك يدل على قولنا . وأجاب العلماء عنه : بأنهم لما قالوا : { ءِامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال لهم فرعون إياي تعنون فلما قالوا : { رَبِّ مُوسَىٰ } قال إياي تعنون لأني أنا الذي ربيت موسى فلما قالوا : { وَهَـٰرُونَ } زالت الشبهة ، وعرف الكل أنهم كفروا بفرعون وآمنوا بإله السماء ، وقيل إنما خصهما بالذكر بعد دخولهما في جملة العالمين لأن التقدير آمنا برب العالمين ، وهو الذي دعا إلى الإيمان به موسى وهرون . وقيل : خصهما بالذكر تفضيلاً وتشريفاً كقوله : { وَمَلـٰئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـٰلَ } [ البقرة : 98 ] .