Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 160-160)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن المقصود من هذه الآية ، شرح نوعين من أحوال بني إسرائيل : أحدهما : أنه تعالى جعلهم اثني عشر سبطاً ، وقد تقدم هذا في سورة البقرة ، و المراد أنه تعالى فرق بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة ، لأنهم كانوا من اثني عشر رجلاً من أولاد يعقوب ، فميزهم وفعل بهم ذلك لئلا يتحاسدوا فيقع فيهم الهرج والمرج . وقوله : { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ } أي صيرناهم قطعاً أي فرقاً وميزنا بعضهم من بعض وقرىء { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ } بالتخفيف وههنا سؤالان : السؤال الأول : مميز ما عدا العشرة مفرد ، فما وجه مجيئه مجموعاً ، وهلا قيل : اثني عشر سبطاً ؟ والجواب : المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة ، وكل قبيلة أسباط ، فوضع أسباطاً موضع قبيلة . السؤال الثاني : قال : { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا } مع أن السبط مذكر لا مؤنث . الجواب قال الفراء : إنما قال ذلك ، لأنه تعالى ذكر بعده { أُمَمًا } فذهب التأنيث إلى الأمم . ثم قال : ولو قال : اثني عشر لأجل أن السبط مذكر كان جائزاً . وقال الزجاج : المعنى { وَقَطَّعْنَـٰهُمُ ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } فرقة { أَسْبَاطًا } فقوله : { أَسْبَاطًا } نعت لموصوف محذوف ، وهو الفرقة . وقال أبو علي الفارسي : ليس قوله : { أَسْبَاطًا } تمييزاً ، ولكنه بدل من قوله : { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } . وأما قوله : { أُمَمًا } قال صاحب « الكشاف » : هو بدل من { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بمعنى : وقطعناهم أمما لأن كل سبط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد ، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ولا تكاد تأتلف . وقرىء { ٱثْنَتَىْ عَشْرَةَ } بكسر الشين . النوع الثاني : من شرح أحوال بني إسرائيل قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى إِذِ ٱسْتَسْقَـٰهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } وهذه القصة أيضاً قد تقدم ذكرها في سورة البقرة . قال الحسن : ما كان إلا حجراً اعترضه وإلا عصاً أخذها . واعلم أنهم كانوا ربما احتاجوا في التيه إلى ماء يشربونه ، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه الحجر . وكانوا يريدونه مع أنفسهم فيأخذوا منه قدر الحاجة ، وقوله : { فَٱنبَجَسَتْ } قال الواحدي : فانبجس الماء وانبجاسه انفجاره . يقال : بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس إذا تفجر ، هذا قول أهل اللغة ، ثم قال : والانبجاس والانفجار سواء ، وعلى هذا التقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور ههنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة ، وقال آخرون : الانبجاس خروج الماء بقلة ، والانفجار خروجه بكثرة ، وطريق الجمع : أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً ، ثم صار كثيراً ، وهذا الفرق مروي عن أبي عمرو بن العلاء ، ولما ذكر تعالى أنه كيف كان يسقيهم ، ذكر ثانياً أنه ظلل الغمام عليهم ، وثالثا : أنه أنزل عليهم المن والسلوى ، ولا شك أن مجموع هذه الأحوال نعمة عظيمة من الله تعالى ، لأنه تعالى سهل عليهم الطعام والشراب على أحسن الوجوه ودفع عنهم مضار الشمس . ثم قال : { كُلُواْ مِن طَيِّبَـٰتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ } والمراد قصر أنفسهم على ذلك المطعوم وترك غيره . ثم قال تعالى : { وَمَا ظَلَمُونَا } وفيه حذف ، وذلك لأن هذا الكلام إنما يحسن ذكره لو أنهم تعدوا ما أمرهم الله به ، وذلك إما بأن تقول إنهم ادخروا مع أن الله منعهم منه ، أو أقدموا على الأكل في وقت منعهم الله عنه ، أو لأنهم سألوا غير ذلك مع أن الله منعهم منه ، ومعلوم أن المكلف إذا ارتكب المحظور فهو ظالم لنفسه ، فلذلك وصفهم الله تعالى به ونبَّه بقوله : { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } وذلك أن المكلف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلا نفسه حيث سعى في صيرورة نفسه مستحقة للعقاب العظيم .