Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 164-165)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله : { وَإِذْ قَالَتْ } معطوف على قوله : { إِذْ يَعْدُونَ } وحكمه حكمه في الإعراب وقوله : { أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } أي جماعة من أهل القرية من صلحائهم الذين ركبوا الصعب والذلول في موعظة أولئك الصيادين حتى أيسوا من قبولهم لأقوام آخرين ما كانوا يقلعون عن وعظهم . وقوله : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } أي مخترمهم ومطهر الأرض منهم { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا } لتماديهم في الشر ، وإنما قالوا ذلك لعلمهم أن الوعظ لا ينفعهم وقوله : { قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } فيه بحثان : البحث الأول : قرأ حفص عن عاصم { مَعْذِرَةً } بالنصب والباقون بالرفع ، أما من نصب { مَعْذِرَةً } فقال الزجاج معناه : نعتذر معذرة ، وأما من رفع فالتقدير : هذه معذرة أو قولنا معذرة وهي خبر لهذا المحذوف . البحث الثاني : المعذرة مصدر كالعذر ، وقال أبو زيد : عذرته أعذره عذراً ومعذرة ، ومعنى عذره في اللغة أي قام بعذره ، وقيل : عذره ، يقال : من يعذرني أي يقوم بعذري ، وعذرت فلاناً فيما صنع أي قمت بعذره ، فعلى هذا معنى قوله : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } أي قيام منا بعذر أنفسنا إلى الله تعالى ، فإنا إذا طولنا بإقامة النهي عن المنكر . قلنا : قد فعلنا فنكون بذلك معذورين ، وقال الأزهري : المعذرة اسم على مفعلة من عذر يعذر وأقيم مقام الاعتذار . كأنهم قالوا : موعظتنا اعتذار إلى ربنا . فأقيم الاسم مقام الاعتذار ، ويقال : اعتذر فلان اعتذاراً وعذراً ومعذرة من ذنبه فعذرته ، وقوله : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بهذا الوعظ فيتقوا الله ويتركوا هذا الذنب . إذا عرفت هذا فنقول : في هذه الآية قولان : القول الأول : أن أهل القرية منهم من صاد السمك وأقدم على ذلك الذنب ومنهم من لم يفعل ذلك ، وهذا القسم الثاني صاروا قسمين : منهم من وعظ الفرقة المذنبة ، وزجرهم عن ذلك الفعل ، ومنهم من سكت عن ذلك الوعظ ، وأنكروا على الواعظين وقالوا لهم : لم تعظوهم ، مع العلم بأن الله مهلكهم أو معذبهم ؟ يعني : أنهم قد بلغوا في الإصرار على هذا الذنب إلى حد لا يكادون يمنعون عنه ، فصار هذا الوعظ عديم الفائدة عديم الأثر ، فوجب تركه . والقول الثاني : أن أهل القرية كانوا فرقتين : فرقة أقدمت على الذنب ، وفرقة أحجموا عنه ووعظوا الأولين ، فلما اشتغلت هذه الفرقة بوعظ الفرقة المذنبة المتعدية المقدمة على القبيح ، فعند ذلك قالت الفرقة المذنبة للفرقة الواعظة { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ } بزعمكم ؟ قال الواحدي : والقول الأول أصح ، لأنهم لو كانوا فرقتين وكان قوله : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبّكُمْ } خطاباً من الفرقة الناهية للفرقة المعتدية لقالوا : وَلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أما قوله : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } يعني : أنهم لما تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه ، أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الظالمين المقدمين على فعل المعصية . واعلم أن لفظ الآية يدل على أن الفرقة المتعدية هلكت ، والفرقة الناهية عن المنكر نجت . أما الذين قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ } فقد اختلف المفسرون في أنهم من أي الفريقين كانوا ؟ فنقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه توقف فيه . ونقل عنه أيضاً : هلكت الفرقتان ونجت الناهية ، وكان ابن عباس إذا قرأ هذه الآية بكى وقال : إن هؤلاء الذين سكتوا عن النهي عن المنكر هلكوا ، ونحن نرى أشياء ننكرها ، ثم نسكت ولا نقول شيئاً . قال الحسن : الفرقة الساكتة ناجية ، فعلى هذا نجت فرقتان وهلكت الثالثة . واحتجوا عليه بأنهم لما قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ } دل ذلك على أنهم كانوا منكرين عليهم أشد الإنكار ، وأنهم إنما تركوا وعظهم لأنه غلب على ظنهم أنهم لا يلتفتون إلى ذلك الوعظ ولا ينتفعون به . فإن قيل : إن ترك الوعظ معصية ، والنهي عنه أيضاً معصية ، فوجب دخول هؤلاء التاركين للوعظ الناهين عنه تحت قوله : { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } . قلنا : هذا غير لازم ، لأن النهي عن المنكر إنما يجب على الكفاية . فإذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ثم ذكر أنه تعالى أخذهم بعذاب بئيس ، والظاهر أن هذا العذاب غير المسخ المتأخر ذكره . وقوله : { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } أي شديد وفي هذه اللفظة قراآت : أحدها : { بَئِيسٍ } بوزن فعيل . قال أبو علي : وفيه وجهان : الأول : أن يكون فعيلاً من بؤس يبؤس بأساً إذا اشتد . والآخر : ما قاله أبو زيد ، وهو أنه من البؤس وهو الفقر يقال بئس الرجل يبأس بؤساً وبأساً وبئيساً إذا افتقر فهو بائس ، أي فقير . فقوله : { بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } أي ذي بؤس . والقراءة الثانية بِئْسَ بوزن حذر . والثالثة : بيس على قلب الهمزة ياء ، كالذيب في ذئب ، والرابعة : بيئس على فيعل . والخامسة : بيس كوزن ريس على قلب همزة بئيس ياء وإدغام الياء فيها . والسادسة : بيس على تخفيف بيس كهين في هين ، وهذه القراآت نقلها صاحب « الكشاف » . ثم بين تعالى أنهم مع نزول هذا العذاب بهم تمردوا .